يمانيون في موكب الرسول.. عمرو بن معدي كرب الزبيدي “فارس الجاهلية والإسلام” (الحلقة الرابعة والعشرون)
سلسلة حلقات يومية برعاية مياه “كرم الضيافة”
أعد الحلقة لـ”يمن ديلي نيوز” – أحمد الشجاع: هو عمرو بن معدي كرب بن عبد الله بن عمرو بن عصم بن زبيد الأكبر بن سعد العشيرة بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
وقبيلة زبيد من قبائل مذحج اليمنية، وسكنت في مخلاف نجران بمنطقة تثليث، وكان لعمرو بن معدي كرب حصن ونخل في منطقة تثليث، وما يزال إسم تلك المنطقة (تثليث) في نجران حتى اليوم.
وعمرو بن معدي كرب من زعماء وفرسان زبيد المشهورين في الجاهلية، فهو زعيم ورئيس بني زبيدة المذحجية بمنطقة “تثليث”.
قصة إسلامه
كانت الديانة الشائعة في بني زبيد ومذحج في الجاهلية على عبادة “يعوق ويغوث” مع الايمان بوجود الله، وكان عمرو بن معدي كرب وبنو زبيد يحجون بيت الله الحرام بمكة في الجاهلية كغيرهم من قبائل اليمن الذين كانوا يقولون بتعدد الآلهة ويحجون البيت الحرام.
كانت أنباء بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بمكة قد وصلت اليمن منذ وقت مبكر، سواء عن طريق الذين يقصدون مكة للحج والتجارة، أو الذين أسلموا وعادو إلى مناطقهم وقبائلهم باليمن يدعون إلى الإسلام منذ سنوات ما بعد البعثة بمكة، أمثال الصحابي الطفيل بن عمرو الدوسي وضماد بن ثعلبة وأبو موسى الأشعري وغيرهم.
وكانت ديار بني زبيد، بأعالي نجران قريبة من مكة، حيث سمع عمرو بن معد كرب، بظهور النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد المسير مع إبن أخته قيس بن مكشوح المرادي لمعرفة النبأ اليقين، وقيل إن عمرو بن معد كرب وابن أخته قيس بن مكشوح المرادي أسلما في اليمن.
وسبب عدم سيره إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، مبكرا، مشاركته في الحروب في اليمن، آخرها مشاركته في معركة “يوم الردم” بين القبائل اليمنية وجيش فارس في الجوف، في 2 رمضان من السنة الثانية للهجرة.
وفي السنة التاسعة من الهجرة النبوية انطلق عمرو بن معد كرب الزبيدي في وفد بني زبيد، فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفا من تبوك، ثم ما لبث أن لحق به ابن أخته قيس بن مكشوح المرادي.
مكث عمرو في المدينة المنورة وصحب الرسول ﷺ فترة من الزمن وتعلم فرائض الإسلام وقرأ القرآن، وسكن في دار سعد بن عبادة، وفروة بن مسيك، وابن أخته قيس بن المكشوح، الذي كان برفقته اخته كبشة.
فضائله
ومعد بن كرب الزبيدي، من أعلام اليمن والعرب الذين نالوا الخلود في التأريخ، بذكره سارت الركبان في الجاهلية وبإسمه ترنمت الأجيال في الإسلام.
فقد اشتُـهر، عمرو بن معدي كرب، بالشجاعة، والبسالة والنجدة، فهو من الشجعان المذكورين والأبطال المشهورين وسيدا كريما، وشاعرا محسنا، وشعره من مذهبات القصائد، ومما يستحسن من شعره:
إذا لم تستطع شيئا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه إذا نظر إلى عمرو بن معد كرب قال: الحمد لله الذي خلقنا وخلق عمرو. تعجبا من عظم خلقه.
تسلط “الأبناء”
وكان لـ عمرو بن معدي كرب، الدور الكبير في تحريض زعماء القبائل في التخلص من حكم الأبناء الفرس، فكانت ثورة تخلص فيها اليمنيون، من تسلط الأبناء الفرس عليهم برئاسة فيروز الديلمي ومستشاره “داذويه” الذي قتله فيس بن المكشوح المراد.
وتقول المصادر إن قيس كان يدرك أن داذويه، مجوسيا وكان يتظاهر بالإسلام، بدليل أن الخليفة أبو بكر لم يعاقب قيس، وخاله عمرو عندما التقيا به في المدينة المنورة.
أما مصير “فيرزو الديلمي” فقد علم بمقتل مستشاره داذويه، ففر إلى أخول له في خولان ومنها إلى المدينة المنورة ومكث فيها حتى مات ولم يعد إلى اليمن.
حديثه مع “عمر”
ومما تناقلته المصادر التاريخية الحوار الذي دار بين عمر بن الخطاب ومعدي كرب الزبيدي، عندما سأله عن قبائل اليمن، وتعجب من رده في وصف كل قبيلة.
فقال الخليفة عمر: أخبرني عن قومك؟
عمرو: سلني عن أيهم شئت؟
الخليفة: أخبرني عن علة بن جلد؟
عمرو: هم أعتقنا وأنجبنا وأسرعنا طلبا وأقلنا هربا، وهم أهل السلاح والرماح والسماح.
الخليفة: فما أبقيت لسعد العشيرة؟
عمرو: هم أعظمنا خميسا، وأسخانا نفوسا، وخيرنا رئيسا.
الخليفة: فما أبقيت لمراد؟
عمرو: هم أوسعنا دارا، وخيرنا جارا، وأبعدنا آثارا، وهم الأتقياء البررة، والساعون الفخرة.
الخليفة: فأخبرني عن زبيد؟
عمرو: أنا عليهم ضنين، ولو سألت الناس عنهم، لقالوا: هم الرأس، والناس الأذناب.
قال: فأخبرني عن بني الحرث بن كعب
فقال: هم الحسكة المسكة، تلقى المنايا على أطراف رماحهم.
قال: فما تقول في عنس؟
فقال: حجم عظيم، وزين أثير.
قال: فأخبرني عن طي؟
فقال: خُـصّوا بالجود، وهم جمرة العرب.
قال: أخبرني عن حمير؟
فقال: رعوا العفو، وشربوا الصفو.
قال: فأخبرني عن كندة؟
فقال: ساسوا العباد، وتمكنوا في البلاد.
قال: فأخبرني عن همدان؟
فقال: أبناء الليل، وأهل النيل، يمنعون الجار، ويوفون بالذمار.
قال: فأخبرني عن لخم؟
فقال: آخرنا ملكا، وأولنا هلاكا
قال: فأخبرني عن جذام؟
فقال: كالعجوز الغبراء، وهم أهل مقال وفعال.
قال: فأخبرني عن خزاعة؟
فقال: أولئك لنا نسبهم، ولهم نصرهم
قال: فأخبرني عن غسان؟
فقال: أرباب في الجاهلية، نجوم في الإسلام
قال: فأخبرني عن الأوس والخزرج؟
فقال: عمرو: هم الأنصار، أعزنا دارا، وأمعنا ذمارا، وقد كفانا الله مدحهم إذ يقول: (والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) الآية 9 الحشر.
فقال عمر: صدق الله العظيم
أهم غزواته
كان عمر بن معدي كرب الزبيدي من القادة الذين شاركوا في قتل زعيم المجوس، شهر بن باذان في معركة يوم صنعاء، وكذلك قتل الأسود العنسي حين ارتد عن الإسلام وطرد أبا المهاجر من صنعاء.
لم يقتصر جهاد عمرو بن معدي كرب في سبيل الله على إسهامه الوافر في فتوح الشام وفي القادسية وفتوح العراق، وإنما كان عمرو من الصحابة والفرسان الذين انطلقوا حاملين رسالة الإسلام إلى بلاد أرمينية في القوقاز بقيادة عياض بن غنم الأشعري.
وحيث يكون معد بن كرب الزبيدي يكون معه ابن اخته قيس بن مكشوح المرادي، فهما أمراء وقادة، وشعراء، وسادة كرماء فنعم الخال ونعم ابن الأخت.
وفاته
توفي عمرو متأثرا بإصابة في معركة نهاوند بقرية “الروذة” من منطقة نهاوند فارس، وهو متوجه إلى فتح الري، قال بعض من رثاه من قومه:
لقد غادر الركبان يوم تحملوا بروذة شخصا لا جبانا ولا غمرا
فقل لزبيد بل لمذحج كلها رزئتم أبا ثور قريع الوغى عمرا
فإن تجزعوا لا يغن عنكم ولكن سلوا الرحمن يعقبكم صبرا
وكانت وفاة عمرو بن معدي كرب الزبيدي في سنة 25 هجرية، لكن تأريخه المجيد كان وما يزال خالدا عبر الأزمنة والعصور، فرضى الله عنه وأرضاه.
سلسلة حلقات “يمانيون في موكب الرسول”:
الحلقة الأولى: الطفيل بن عمرو الدوسي “ذو النور”
الحلقة الثانية: زرعة بن سيف بن ذي يزن أول أذواء حمير إسلاما
الحلقة الثالثة: أبو هريرة راوي الأحاديث وأول صادح بالأذان في البحرين
الحلقة الرابعة: جرير بن عبدالله البجلي “خير ذي يمن”
الحلقة الخامسة: سواد بن قارب الكاهن الذي قاد كهان اليمن والجزيرة إلى الإسلام
الحلقة السادسة: شرحبيل بن حسنة الكندي مترجم السريانية وفاتح غور الأردن
الحلقة السابعة: المقداد بن عمرو الحميري “الفارس الوحيد في بدر”
الحلقة الثامنة: فروة بن مسيك المرادي “أمير رسول الله على مذحج”
الحلقة التاسعة: أبرهة ابن الصباح الحميري “كريم قومه”
الحلقة العاشرة: الصحابي ضماد بن ثعلبة الأزدي “الطبيب الأول إسلاماً”
الحلقة الحادي عشرة: زيد بن حارثة “الصحابي الذي خلده القرآن”
الحلقة الثانية عشرة: زهير بن قيس البلوي “أمير أفريقية وقاهر أمير البربر”
الحلقة الثالثة عشرة: معاوية بن حديج السكوني “فاتح أفريقية”
الحلقة الرابعة عشرة: جنادة بن أبي أمية الأزدي “فاتح رودوس اليونانية”
الحلقة الخامسة عشرة: دحية بن خليفة الكلبي الحميري “شبيه الوحي”
الحلقة السادسة عشرة: قيس بن مكشوح المرادي “بطل اليمن في فجر الإسلام”
الحلقة السابعة عشرة: حسان بن النعمان “فاتح الجزائر وأمير إفريقية”
الحلقة الثامنية عشرة: عمار بن ياسر “كبير وعملاق مذحج وأمير الكوفة”
الحلقة التاسعة عشرة: جندب بن عمرو بن حممة “زعيم دوس”
الحلقة العشرون: أبو عامر الأشعري “فاتح أوطاس”
الحلقة الحادية والعشرون: العلاء بن الحضرمي “فاتح البحرين وأول ناقش ختم الرسول الكريم“
الحلقة الثانية والعشرون: ذو الكلاع الحميري “قائد كتائب حمير”
الحلقة الثالثة والعشرون: الأشعث بن قيس الكندي “فاتح وأمير أذربيجان”
