تجار صنعاء يشكون الكساد والمواطنون يبحثون عن رغيف الخبز (استطلاع)

يمن ديلي نيوز – استطلاع خاص: يتخوف “موسى” – إسم مستعار لمالك بقالة في صنعاء – من شراء كميات كبيرة من الخضار والفواكه كما كان الحال عليه قبل أربع سنوات، خشية تلفها نتيجة عدم قدرة الناس على شرائها.
يقول لـ”يمن ديلي نيوز”: “لا أشتري الكثير من الخضار والفاكهة من سوق الجملة، إلا بكمية قليلة خوف عدم شراءها من قبل المواطنين وتلفها كلها”.
يروي ”موسى“ مأساته قائلا: “كان دكاني قبل أربع سنوات ثلاث فتحات أبيع فيه جميع المواد الغذائية والبهارات وأحد الفتحات كانت للخضروات والفواكه، أما اليوم فتحة واحدة ابيع فيها شوية خضار ومواد غذائية أساسية”.
ويضيف: “تخيل كنا يوم كان في حرب أفضل من الآن وكان السوق متحرك، والآن مع الهدنة السوق مات، والله ان اللي كان يشتري من عندي كل يوم بألفين بثلاثة أصبح يشتري في الشهر بالكاد بألفين بثلاثة ألف وطول الشهر وعاد نصفها دين”.
وأردف ”لاعاد رواتب ولا دخل عند الناس ولا والضرايب من جهة وهيئة الزكاة من جهة والمخالفات من جهة وتحديد الربح من جهة وكل واحد يأخذ منا من حال وبالكاد أدخل مصروف يومي”.
وفي العام 2016 أوقفت جماعة الحوثي المصنفة إرهابيا صرف المرتبات، وشكلت حكومة مستقلة بها غير معترف بها، إلا أن تلك الحكومة لم تتكفل بدفع المرتبات وهي تطالب الحكومة التي انشقت عنها بدفع مرتبات الموظفين في المحافظات الخاضعة لها.
وفي 2018 قررت الحكومة اليمنية في عدن بدء دفع رواتب الموظفين في المحافظات الخاضعة لجماعة الحوثي وبدأت بصرف مرتبات القضاة ومن ثم الجامعات وموظفي وزارة الصحة، إلا أن الجماعة اتخذت إجراءات فصل العملة الأمر الذي تسبب في توقف الحكومة الشرعية عن دفع المرتبات.
ومع قيام تحالف دعم الشرعية بتوسيع رحلات مطار صنعاء الدولي ورفع القيود عن ميناء الحديدة، وانتفاء تهمة الحصار التي ظل الحوثيون يعلقون عليها سبب تردي الوضع المعيشي في المحافظات الخاضعة لهم، إلا أن الوضع لم يشهد أي تحسنا بل ازداد سوءا.
يقول مواطنون في العاصمة صنعاء، لـ”يمن ديلي نيوز“، إنه لم يعد بمقدورهم شراء كل ما يحتاجونه من ضروريات المعيشة، فانقطاع الرواتب، والارتفاع المتزايد للأسعار، كلها أدت إلى تدهور المستوى الاقتصادي لدى شريحة واسعة، وبالتالي ضعف قدرتهم الشرائية.
ورصد ”يمن ديلي نيوز“، شهادات بعضها ”صادمة“ حول قدرة المواطنين الشرائية المتدنية، بالإضافة إلى شهادات أخرى لتجار وبائعين يشكون كساد بضائعهم، وعدم قدرتهم على بيعها.
ونشير هنا إلى أننا نتحفظ على ذكر الأسماء الحقيقية للأشخاص الذين استطلعهم “يمن ديلي نيوز” حرصا على سلامتهم في العاصمة صنعاء الخاضعة للحوثيين.
“أم يحيى” وهي ربة بيت، تحدثت عن أوضاعها المعيشية، قائلة “قبل انقطاع الرواتب كنا نستطيع شراء غالبية المواد الغذائية من دقيق ورز وسكر وزيت وجبن وبهارات وصابون وبكميات تتجاوز 50 كيلو أما اليوم لا يمكننا إلا شراء السكر والدقيق والرز 5 كيلو من كل صنف فقط”.
وتضيف بحسرة “تمر علينا أشهر لا يمكننا خلالها شراء علبة جبن أو حتى حبة دجاج”.
ويحذر خبراء اقتصاديون من أن كوارث اقتصادية وإنسانية أشد تصاعداً قد تواجه ملايين السكان اليمنيين، خصوصا في مناطق سيطرة الحوثيين، في حال استمرار عدم وجود أي حلول جدية تفضي إلى دفع رواتب موظفي الدولة وتوقف الحرب.
الحجة “مريم“ هي الأخرى قالت لـ”يمن ديلي نيوز“، إن الوضع اضطرها لأن تشتري مصاريف البيت كل يوم بيومه، بـ500 ريال (200 خضرة و 200 رز أمريكي، و100 زيت في كيس نايلون)، حسب قولها.
وفي شهادة أخرى صادمة ذكرت الأرملة “أم إسراء”، أنها تلجأ إلى ”التالف من بسطة الخضار وتخبر مالكها أنها ستطعم بها القطط والأرانب لكنها في الحقيقة هي قوتها اليومي لعائلتها وأطفالها”.
معاناة التجار
لم تقتصر المعاناة فقط على السكان والمواطنين، بل طالت التجار والباعة، حيث أكد البائع” محمد” أن سعر الصرف في صنعاء أثر بشكل كبير على تجارته البسيطة التي افتتحها بعد تخرجه من الثانوية وتكدست البضائع في محله، مما أضطره إلى استيراد مواد رخيصة الثمن والجودة حتى لا يتأثر ربحه في ظل استمرار التلاعب بسعر الصرف.
فيما أشار “العم صالح” وهو مالك بقالة صغيرة لبيع المواد الغذائية، إلى أن ارتفاع الضرائب المستمر وبنسب جنونية من قبل الحوثيين أثر على تجارته، مما دفعه إلى رفع الأسعار بشكل مستمر مما يحد من تصريف بضائعه وتكسدها أو تلفها وعدم قدرة المواطنين على شرائها.
ولوحظ خلال السنوات الأخيرة في العاصمة صنعاء، بيع أصناف من بعض الفواكه مثل الرمان والبرتقال والمانجو ذات الجودة العالية لم تكن تتواجد من قبل بسبب عدم توريدها للخارج كما هو المعتاد، مما اضطر من المزارعين والتجار تحويل ذلك للسوق المحلية.
وبينما لا توجد إحصاءات رسمية بعدد التجار والشركات الخاصة الذين تعرضوا للإفلاس والإغلاق جراء ظروف الحرب، تؤكد مصادر اقتصادية في صنعاء تصاعد أعداد اليمنيين ممن فقدوا مصادر عيشهم بعد إغلاق متاجرهم ومؤسساتهم نتيجة عوامل عدة، خلفتها الحرب الدائرة منذ سنوات.
اللحوم.. حلمٌ صعب المنال
”مازن“ وهو صاحب ملحمة لبيع اللحوم، يقول لـ ”يمن ديلي نيوز“: “قبل الحرب كنت أقوم بذبح أكثر من عشرة رؤوس من الكباش والأثوار، وتقلص العدد من مرور سنوات الحرب حتى وصلت اليوم إلى ذبح ثلاثة رؤوس من الكباش وبعض الأوقات يتبقى منها لا يتم بيعه”.
من جهته قال ”أبو علي“ وهو بائع لحوم أيضا: ” كثير مواطنين عاديين لا يأتوا لي إلا في الأربعة والخمسة الأشهر مرة يشتروا نصف كيلو لحمة، بس الحمد لله ياتي لي طقم فوقه مسلحين يشتروا ذبيحة كاملة كل يومين ثلاث”، في إشارة واضحة إلى انقسام طبقات الناس بين ثراء فاحش وفقر مدقع.
أما المواطنة ” فيروز” وهي تربوية، أشارت في حديثها لـ”يمن ديلي نيوز“، إلى أنها لا تستطيع شراء حتى كيلو لحم إلا في عيد الأضحى وبصعوبة بالغة، وتتمكن من شراء ربع حبة دجاج (صدر دجاج) بـ500 ريال وتطبخه مع ملوخية ويتم تقسيم هذه الوجبة ليومين أو ثلاثة أيام”.
انعدام الأمن الغذائي
يذكر البنك الدولي أن انعدام الأمن الغذائي مصدر قلق رئيسي يوماً بعد يوم تتحمله الأسر اليمنية، إذ اضطرت إلى الاعتماد على الاقتراض من أصحاب المحلات التجارية أو العائلة أو الأصدقاء.
البنك الدولي أشار في تقرير حديث بعنوان ”أصوات من اليمن“ إلى لجوء اليمنيين، الذين يعيشون في ظروف حرب صعبة منذ ما يقرب من عقد من الزمان، إلى استراتيجيات تكيف مبتكرة، ولكن مدمرة في كثير من الأحيان.
ولفت إلى أن معظم الذين تم إجراء مقابلات معهم قالوا إن حالة الأمن الغذائي قد تدهورت، وإن هناك أزمة جوع حادة. وأكد أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بشكل حاد بما يتجاوز ما يستطيع اليمنيون تحمل نفقاته بحسب دخولهم.
ووفقاً للتقرير، فقد أدى عدم القدرة على تحمل التكاليف بسبب الارتفاع الصاروخي في أسعار المواد الغذائية إلى إجبار اليمنيين على خفض استهلاك الغذاء بشكل كبير، ومواجهة الجوع والمجاعة.