بين أرض الصومال وجنوب اليمن.. ماذا يعني الاعتراف الإسرائيلي في هذا التوقيت؟

يمن ديلي نيوز – تقرير: في ظل تصاعد التوترات في شرق اليمن واتساع رقعة الاضطرابات في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، فجّر إعلان إسرائيل الاعتراف بما يُعرف بـ”أرض الصومال” موجة تحذيرات عربية ودولية، وسط مخاوف متزايدة من تداعياته على أمن الملاحة الدولية واستقرار الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.
ويُعد هذا الإعلان أول اعتراف من نوعه بإقليم أرض الصومال منذ إعلانه الانفصال عن الصومال عام 1991، وجاء في توقيت بالغ الحساسية، بالتزامن مع تطورات أمنية وسياسية تشهدها الضفة المقابلة في جنوب اليمن، المرتبطة بحريًا بالإقليم عبر خليج عدن، وما يرافقها من تحركات متصاعدة للمجلس الانتقالي الجنوبي في المحافظات التي تقع على الضفة المقابلة.
هذا التطور يفتح الباب أمام جملة من التساؤلات الجوهرية، عن الأهداف الحقيقية لإسرائيل من هذا الاعتراف في هذا التوقيت، وكيف يمكن أن ينعكس على موازين الأمن والاستقرار في دول البحر الأحمر؟ وما دلالات تزامنه مع تصاعد نشاط القوى الانفصالية في جنوب اليمن، لا سيما في حضرموت والمهرة؟ وما الخيارات المتاحة أمام الدول الإقليمية والمشاطئة للبحر الأحمر للتعامل مع هذه المستجدات؟
ولمقاربة هذه الأسئلة، وضع “يمن ديلي نيوز” هذه التساؤلات على رئيس مركز البلاد للدراسات والاعلام “حسين الصوفي” والباحثة المصرية المتخصصة في الشأن الإسرائيلي، “إيمان بخيت أحمد”.
الهروب من هزيمة أكتوبر
في البداية يقول رئيس مركز البلاد للدراسات والإعلام، حسين الصوفي، إن الخطوة الأخيرة في سياقها الإسرائيلي لا تمثل سوى “قفزة جديدة ضمن قفزات الهروب” التي اعتاد رئيس حكومة الكيان المحتل بنيامين نتنياهو افتعالها، عبر اختلاق معارك بعيدة، للهروب من مواجهة ارتدادات هزيمة السابع من أكتوبر.
وفي قراءته للسياق الجيوسياسي لهذه الخطوة على المنطقة، وصف الصوفي لـ “يمن ديلي نيوز” الخطوة بأنها “بالغة الخطورة” وانتقال فعلي لإشعال الفوضى والحروب في الدول المركزية الثلاث في المنطقة “مصر والسعودية وتركيا”، بعد تطويق هذه الدول بدوائر النار والحدود الملتهبة.
وتساءل الصوفي عن توقيت تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي، في محافظتي حضرموت والمهرة، ولماذا جاءت في ديسمبر 2025، رغم أن المجلس الانتقالي الجنوبي تأسس قبل نحو تسع سنوات، وهل وجد اعترافاً دولياً أم كان ردّاً على هجوم؟
وأضاف: الأحداث التي سبقت تحركات الانتقالي في الأول من ديسمبر تشير إلى عدم وجود تطورات داخلية يمنية لافتة، مشيراً إلى أن سردية الانتقالي حول هذه التحركات جاءت متناقضة ومتعددة وتائهة، ما يثير تساؤلات جدية حول دلالات التوقيت وأهميته.
وقال إن الربط بين هذه التطورات واستنفار السعودية يقود إلى خلاصة مفادها أن تحرك الانتقالي جاء عقب زيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن، والتي لم تكن إيجابية بالنسبة للكيان الصهيوني، خاصة في ظل رفض ملف التطبيع، وما أعقبها من تطورات، من بينها استبعاد توني بلير من مجلس غزة.
واعتبر “الصوفي” أن هذه المعطيات تعزز فرضية أن المجلس الانتقالي من خلال تحركاته وتعنته خلال الأسبوعين الماضيين، يأتي بإيعاز من دولة أخرى، ويمثل إحدى أدوات قوى في المنطقة تسعى لإلحاق الضرر بالمملكة العربية السعودية.
وأردف: من خلال ربط ذلك بخبر الاعتراف الصهيوني بشمال الصومال، يتضح أن هناك مساراً تصعيدياً تقف خلفه إسرائيل وحلفاؤها، يستهدف السعودية على وجه الخصوص، إلى جانب الدول المركزية الثلاث في المنطقة.
الصوفي قال إن السعودية تدرك أبعاد هذا المخطط، مستشهداً بعدد من المؤشرات، من بينها الاجتماع للدول المشاطئة للبحر الأحمر الذي عُقد في جدة قبيل زيارة ولي العهد إلى واشنطن، إضافة إلى لقاءاته مع رئيسي جيبوتي والسودان، وزيارة وزير الخارجية السعودي إلى سلطنة عُمان، ولقاءاته مع مسؤولين مصريين وقطريين، فضلاً عن البيانات الصادرة عن مؤسسات إسلامية وعربية.
وختم “الصوفي” بالقول إن الدول العربية والإسلامية تمتلك أوراقاً حاسمة لمواجهة هذه التحديات، أسهلها الدعوة إلى قمة لعلماء العالم الإسلامي في الحرم المكي، كفيلة لحشد الأمة خلف المملكة، معتبراً أن المنطقة تمر بمخاضات لتحول تاريخي لم تشهده منذ نحو مئة عام.
السيطرة على هرمز وباب المندب
وتأكيداً لما أورده رئيس مركز البلاد للدراسات قالت الباحثة المصرية المتخصصة في الشأن الإسرائيلي، “إيمان بخيت أحمد”، إن إسرائيل تسعى من خلال الاعتراف بـ”أرض الصومال” إلى تعزيز وجودها في مضيق باب المندب ومضيق هرمز.
وقالت لـ”يمن ديلي نيوز” إن الأهداف الإسرائيلية من الاعتراف بـ “أرض الصومال” تتجاوز البعد السياسي، لتندرج ضمن مساعٍ لاختراق جيوسياسي أوسع في الإقليم، وتعزيز الوجود الإسرائيلي في منطقة القرن الأفريقي ذات الأهمية الاستراتيجية.
وأوضحت بخيت أن إسرائيل تعمل على هذا المسار منذ سنوات في عدد من الدول الأفريقية، مشيرة إلى أن من بين الأهداف الرئيسية تعزيز الأمن البحري من خلال إقامة تعاون أمني مع “أرض الصومال”، يتيح لها السيطرة على حركة الملاحة في البحر الأحمر والحد من التهديدات التي تمثلها جماعات مثل جماعة الحوثيين.
ولم تستبعد أن تكون من أهداف الاعتراف الوصول إلى الموارد الطبيعية في المنطقة واستغلالها، وإنشاء قواعد لوجستية تدعم النشاط الاقتصادي والعسكري الإسرائيلي في المنطقة.
مشيرة إلى تقارير إسرائيلية تحدثت عن خطط إسرائيلية لتوسيع التعاون الزراعي والتكنولوجي مع “أرض الصومال”، إلى جانب نقل الخبرات والمعرفة وتعزيز الرعاية الصحية والتبادل التجاري.
وحذرت الباحثة من أن الدعم الإسرائيلي الرسمي والمباشر لـ “أرض الصومال” من شأنه إضعاف الوحدة العربية والإسلامية، من خلال دعم الكيانات الانفصالية، بما ينعكس سلباً على استقرار دول الجوار.
وذكرت أن من ضمن الأهداف أيضاً التأثير على دول المشاطئة في البحر الأحمر، وذلك لتهديد الأمن القومي المصري والسعودي، فأي وجود إسرائيلي في المنطقة قد يغير موازين القوى الأمنية، خاصة مع التصعيد الإسرائيلي الحالي في ملف غزة وأمن الملاحة في البحر الأحمر.
وشددت على أن أي وجود إسرائيلي في المنطقة قد يغيّر موازين القوى الأمنية، خصوصاً في ظل التصعيد الإسرائيلي المتواصل في ملف غزة وأمن الملاحة في البحر الأحمر.
التأثير على اليمن
وحول تأثير هذا الاعتراف الإسرائيلي على اليمن، قالت الباحثة إيمان إنه قد يزيد من تعقيد المشهد الداخلي اليمني، في إطار مساعٍ إسرائيلية لإيجاد حلفاء جدد يمكّنون إسرائيل من التأثير في مسار النزاع القائم، والعمل على التخلص من جماعة الحوثيين.
وعن دلالة التوقيت المتزامن مع تحركات الانفصاليين في جنوب اليمن، رأت الباحثة أن هذا التوقيت يحمل مؤشرات على محاولة ربط ملف “أرض الصومال” بمشروع الانفصال الذي يتبناه المجلس الانتقالي الجنوبي، مما قد يخلق جبهة انفصالية متصلة جغرافياً تسيطر على مضيق باب المندب والسواحل الجنوبية للجزيرة العربية.
ونوهت إلى أهمية حل الأزمة اليمنية من خلال تسريع الجهود لإيجاد حل سياسي في اليمن، مشددةً على أن استمرار الحرب يسهل من التدخل الخارجي وانتشار الكيانات الانفصالية.
استغلال الانقسامات
وتحدثت الباحثة المصرية إيمان بخيت عن استغلال إسرائيلي للفراغ السياسي لانشغال العالم بالأزمة الفلسطينية والحرب في غزة، وكذلك الانقسامات الداخلية في اليمن والصومال، لتمرير تغييرات في الخريطة السياسية وخلق واقع جديد.
ودعت بخيت دول الإقليم والدول المشاطئة للبحر الأحمر إلى تبني موقف موحد قائم على التضامن العربي والإسلامي، مطالبة جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بإصدار موقف واضح يرفض الاعتراف، ويؤكد دعم وحدة الصومال وسيادته.
كما دعت إلى تعزيز التعاون الأمني البحري للدول المشاطئة للبحر الأحمر (مصر، السعودية، الأردن، السودان، جيبوتي، إريتريا) وتشكيل تحالف أمني بحري لحماية الملاحة ومجابهة أي تهديدات ناتجة عن هذا الاعتراف.
وشددت على أهمية دعم الحكومة الصومالية المركزية من خلال تقديم الدعم الدبلوماسي والاقتصادي والأمني للحكومة في مقديشو لتعزيز حضورها في أرض الصومال وإحباط محاولات التقسيم.
وختمت بخيت بالتأكيد على أهمية الضغط الدولي، ومطالبة مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي بإدانة الاعتراف الإسرائيلي، والتشديد على احترام وحدة وحدود الصومال المعترف بها دولياً.
وكان رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، الذي يشغل منصب عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، قد بدأ منذ أشهر سلسلة إجراءات وصفها الرئيس العليمي بالأحادية، بدأت بفرض شخصيات موالية له في الوزارات والمكاتب التنفيذية بالقوة.
ومطلع الشهر الجاري، دفع المجلس الانتقالي الجنوبي بقوات عسكرية من محافظات الضالع ولحج وشبوة وأبين إلى المحافظات الشرقية (حضرموت – المهرة) وبسط السيطرة عليها بالقوة، وسط تقارير تحدثت عن انتهاكات متعددة طالت حقوق الإنسان، خاصة في سيئون.
وشملت الإجراءات الأحادية إصدار قرار بتشكيل اللجنة التحضيرية لهيئة الإفتاء الجنوبية، ودفع وزراء في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، ونواب ورؤساء مكاتب تنفيذية، إلى جانب محافظين، لإعلان التمرد، الأمر الذي لقي رفضًا محليًا وإقليميًا ودوليًا واسعًا.



