“الطريق إلى الحرية”.. كتاب تختزل صفحاته مسافات طويلة من نضالات الأحرار في سبيل الانعتاق من ربقة الاستبداد الامامي

يسرد كتاب “الطريق إلى الحرية” للعزي صالح السنيدار سير عدد من المناضلين الذين اختطوا طريق النضال ضد الحكم الإمامي في العقود الأولى من القرن العشرين، حيث بدأ كتابه بالحديث عن الثائر الشهيد أحمد بن أحمد المطاع الذي أعدمه الامام أحمد في ميدان حورة بمحافظة حجة.
استعرض الكتاب لـ “يمن ديلي نيوز” الأديب/ عبدالله العطار: يعد هذا الكتاب أحد الكتب التي تطرقت لأهم حقبة في تاريخ اليمن الحديث، من خلال ما عاشه مؤلفه الراحل العزي صالح السنيدار (1901- 1977).
إن سيرة المناضل العزي صالح السنيدار تجسد قصة الأحرار والمفكرين، وشهادة لأولئك الذين حاولوا تحطيم أغلال الجمود، وهدم السجن الفكري والنفسي وإنقاذ الشعب اليمني من حكم الطغاة والجبارين وفتح نوافذ المعرفة.
بدأ المؤلف بذكر الثائر الشهيد أحمد بن أحمد المطاع الذي كان لأب يبغض بيت حميد الدين، لأنه كان من سنيا، وكان المطاع مثقفا وعلى نهج أبيه.
عمل “المطاع” خياطا في صنعاء والتحق بمدرسة عسكرية لمدة ستة أشهر وخرج ضابطا، إلا أنه رفض لبس البنطلون فعرف الإمام أنه ذكي، وعينه على أسوأ سرية في الجيش كي ينال منه، لكنه أدارها بذكاء رغم فرار بعض أفرادها، وبقي في ملحان بمحافظة المحويت، حتى تم تغييره وعاد إلى صنعاء.
كان “المطاع” مثقفا شاعرا مطلعا على الحديث والتاريخ والجغرافيا والشعر بكل عصوره، وقد قال عنه المؤلف إنه عرف التاريخ كله، ولم يبق مجهولا عنده غير تاريخ اليمن في القرون الوسطى وعين بعد ذلك عضوا في لجنة كتابة التاريخ اليمني وأرخ للفترة من أيام الهادي إلى أيام المطهر بن شرف الدين.
إن التوثيق لمرحلة مهمة للحركة الوطنية منذ بدايات القرن العشرين ذو أهمية بالغة لتعرف الأجيال المتلاحقة من جيل الثورة، وجيل الوحدة وجيل الألفية الثالثة وجيل التقنية الجديدة المعاناة التي كان يعيشها أجداده والطرق والخزعبلات التي كان يُحكم بها من قبل النظام الامامي الكهنوتي الفردي المستبد، ورفض هذا النظام لأي نوع من أنواع الإصلاح، أو التطور في الحكم كصياغة دستور يحتكم إليه الحاكم والمحكوم، وإنشاء مجالس شوروية تراعي مصالح الشعب وتوقف التسلط والاستبداد الذي قد يقوم به رأس الحكم.
نطالع من خلال الأسطر التالية ونستعرض إحدى المذكرات التي وثقت لتلك المرحلة من خلال تجربة فريدة لإحدى الشخصيات الوطنية والتنويرية والعلمية والتجارية في تلك الفترة، وهو المناضل العزي صالح السنيدار.
من خلال هذه المذكرات التي تحمل عنوان “الطريق إلى الحرية” يؤكد محمد (العزي) صالح السنيدار أن الطريق إلى الحرية والانعتاق من الاستبداد والتسلط طريق طويل وشائك، ولا يؤمن بهذا المشروع ويحمله إلا الرجال الأقوياء المؤمنين بقضايا شعوبهم في الحق بحياة كريمة وعادلة، ولابد من الاستمرار في هذا الطريق حتى تتحقق الغايات المنشودة.
تم إصدار هذه المذكرات بعد سنوات من وفاته، وبعد أن لبى مطالبات الكثير له ومنهم أولاده بتسجيل مذكراته وكتابتها، خاصة للمراحل الأولى من الحركة الوطنية اليمنية فكان ذلك وتم إصدارها في العام 2004م ضمن فعاليات الاحتفاء بصنعاء عاصمة للثقافة العربية.
وقد صدّر للكتاب عدد من المناضلين والمستنيرين الأوائل، ومن عاشوا تلك المراحل القاسية منهم المناضل عبدالسلام صبرة، والأستاذ علي عبدالله الواسعي والقاضي إسماعيل الأكوع، وكذلك الأستاذ المناضل أحمد المروني الذي قال: وهكذا مرت على اليمن ظروف قاسية، وحكم مستبد لا يعمل من أجل نشر العلم وفتح المدارس وبناء المستشفيات وتعبيد الطرق، وإقرار العدل والأمن، ولكنه كان يحاول التفريق بين الأسر، وإشاعة الخوف وملاحقة المستنيرين وجعل مقياس الولاء هو التعصب للإمامة الهادوية، وكأنها هي الدين والعقيدة وكأن الإمامة شيئاً مقدساً، وكان الإمام لا يُسأل عما يفعل، فهو المشرع والحاكم والسياسي والمالك للإنسان والحيوان والبنيان، وقد يحكم على معارضيه بالقتل والنفي والسجن المؤبد بدون محاكمة، ولا يسمح لمن يقع في قبضته بالدفاع عن نفسه.
الدافع لكتابة المذكرات
يقول محمد صالح السنيدار الذي اشتهر باسم (العزي) وأصبح يُدعى العزي صالح السنيدار إن الدافع لكتابة هذه المذكرات هو إلحاح أولاده على تسجيل مذكراته وما شاهد وعرف وسمع وما جرى له من حوادث عسر ويسر طوال حياته، خاصة وأنه شهد الحوادث الجسام في تاريخ اليمن المعاصر منها دخول الإمام يحيى صنعاء وقيام ثورة الدستور في العام 1948م، وما لحق به وبرجالاتها من تعذيب وسجن وتنكيل وإبعاد، واضطر بعد خروجه من السجن عام 1955م السفر إلى عدن والبقاء فيها حتى قيام الثورة في الـ26سبتمبر من العام 1962م.
من خلال كتاب “الطريق إلى الحرية” يؤكد محمد (العزي) صالح السنيدار أن الطريق إلى الحرية والانعتاق من الاستبداد والتسلط طريق طويل وشائك، ولا يؤمن بهذا المشروع ويحمله إلا الرجال الأقوياء المؤمنين بقضايا شعوبهم في الحق بحياة كريمة وعادلة.
حياته الأولى
لم تتسم مذكرات العزي السنيدار بتقسيمها إلى فصول أو أبواب كما جرت العادة في كتابة المذكرات، بل اتسمت بالموضوعية والواقعية واحتوت على عناوين فرعية تحكي واقع الحال في تلك الحقبة الكئيبة التي عاشها المواطن اليمني، فيما شعوب الأرض الأخرى تدخل عالم التطور والتمدن والحداثة.
ولهذا لاحظنا أن العزي السنيدار قد قسم حياته كما وضحها في هذا الكتاب إلى فترتين، الأولى منذ ولادته في العام 1319هـ حتى بلوغه الثلاثين عاماً وكانت تلك فترة نشأته والوصاية عليه بعد وفاة والده ووالدته، وشملت تلك الفترة تحصيله العلمي في المدرسة التركية ومن ثم في الجامع الكبير بصنعاء وتأثره بالأفكار التعصبية التي كانت مؤثرة في حياته في تلك الفترة ومن تلك الأفكار الصاق الشائعات والتهم بالأشخاص المطالبين بالإصلاح بأنهم نواصب ويكرهون آل البيت، وخلال تلك الفترة قام بزيارة البيت الحرام وأداء فريضة الحج أربع مرات.
السنيدار وتأثره بالمحلوي
عند بلوغ العزي السنيدار عمر الثلاثين عاماً بدأت مرحلة جديدة من حياته وبالأخص بعد تعرفه ومصاحبته لمحمد المحلوي في أحد المقايل، وكان في السابق لا يطيق الاستماع لهذا الرجل أو مصاحبته لما كان تُبث من إشاعات حوله بأنه ناصبي ويكره آل البيت ومنهم بيت حميد الدين وأنه يحمل أفكاراً جديدة.
ويذكر العزي السنيدار أنه كان من أشد الناس حباً للإمام يحيى وآل حميد الدين، وأثناء استماعه لآراء المحلوي بدأت تتفتح له الأمور، فيما بعد وكيف أن بيت حميد الدين هم سبب نكبة اليمنيين، حيث يقول: لقد صدمني “المحلوي” ثلاث صدمات أما الصدمة الأولى فهي بداية للخروج من الحياة الأولى، فبعد أن عرف قبولي لأفكاره رغم ما امتلأت به من المعتقدات والخرافات وبعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي كان يسمعها في المقيل مني ومن غيري وأخبرني عن بغض الطبيب القدير لطف حمزة للإمام يحيى حميد الدين وآل حميد الدين فسألته: ما مذهبه وما مراده؟، فقال إنه يعتقد أن الإمام يحيى وأولاده ظلمة وأنهم وبال على اليمن، فقلت: إنه ناصبي يبغض أهل البيت، فضحك وغير مجرى الحديث، وبقي يشرح لي عن العلماء الحقيقيين مثل الشوكاني والأمير والمقبلي وغيرهم من العلماء ويملي علي من مؤلفاتهم واعتراضهم على الأئمة من بيت القاسم وبقينا متلازمين أربعة أيام حتى ملأ فكري.
وأما الصدمة الثانية فقد أوضح المحلوي للعزي السنيدار الفرق بين الرجال الأذكياء والجامدين من خلال مسألة ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأمر من بعده شورى للمسلمين في اختيار من يتولى أمرهم، وأوصاه بقراءة ومطالعة كتب التاريخ والتفسير، فرجع إلى البيت وأصبح يطالع كتاب شرح الأزهار وقرأ الثلاثين مسألة ونهج البلاغة ومقاتل الطالبيين وغيرها، وتذكر بعض المشائخ الذين كانوا يفسرون بعض الآيات والأحاديث على غير حقيقتها.
ويتابع: وفكرت حتى سهرت منامي فأول ما طالعته هو تاريخ ابن الأمير ثم فتح القدير للشوكاني والروض النضير للسياغي فعدلت فكري، ومن هنا رأى مني الاقبال والقبول لحديثه والإصغاء إلى كلامه.
يسرد العزي السنيدار في كتابه كيف كانت حياته في البداية متعصبة لآل البيت، وبيت حميد الدين، ومساهمته في إثارة الشائعات ضد معارضيهم، وكيف تغير موقفه من الضد إلى مناهضة الإمامة بعد أن التقى بالمناضل محمد المحلوي أحد مناهضي الامامة والذي كان يكرره نتيجة الدعايات الشديدة ضده.
وأما الصدمة الثالثة التي تلقاها السيندار من المحلوي وهو سؤاله له هل أعمال الإمام يحيى تشابه أعمال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه؟، فأجابه السنيدار بالنفي، وعاد وقال له: إذا أردت الحقيقة فإن الإمام هو عدو الشعب وسيفقره ويهلكه، فكانت تلك صدمة كبيرة للعزي السنيدار وذهب إليه في المقيل ولم يتركه في ذلك اليوم إلا وقد أشبع فكره.
كانت معرفة العزي السنيدار بمحمد المحلوي نقطة تحول لمعرفة الحقيقة التي كانت غائبة عن معظم أبناء الشعب اليمني، لقد فتح عينيه على الكثير من القضايا الفكرية والوطنية وذلك في الثلاثينيات من القرن الماضي، ومنذ ذلك التاريخ اختط العزي السنيدار طريقاً آخراً وهو الطريق إلى الحرية، فبدأ عن طريق المحلوي التعرف على المفكرين والعلماء والضباط ذوو الفكر المستنير وبدأ معهم جلسات النقاش والمقيل.
انتشار الوعي
بدأت الجلسات التي كان يحضرها العزي السنيدار تنتقد الوضع القائم وبدأ الوعي ينتشر ليس في العاصمة صنعاء، ولكن في عدة مدن أخرى مثل ذمار وإب وتكاثر المطالبين بالإصلاح حتى تم النشر في الصحف الخارجية عن اليمن وأحوالها وما تعانيه من تأخر وانحطاط، ونتيجة لتلك الأحداث سيق العزي السنيدار في العام 1355هـ، ومعه خمسة من الأحرار، وهم الضابط أحمد بن أحمد المطاع والمحلوي وعبدالله العزب وعلي الشماحي وتم ضم محمد أحمد المطاع عندما ذهب ليراجع لأخيه لدى الإمام يحيى.
وانتشرت الشائعات والدعايات عليهم بأنهم ملحدون ويبغضون الإمام علي بن أبي طالب، وأنهم يريدون اختصار القرآن، ووصلت آثار هذه الدعايات المغرضة إلى أسرهم وأولادهم وبعد ثلاثة أشهر من قضاء السنيدار وأصحابه في السجن خفت الدعاية ضدهم وبدأ الناس يتساءلون ما سبب حبسهم واستطاعوا إفهام العامة من الناس أن سبب حبسهم هو انتقادهم للحكم الامامي واستنكارهم للظلم والتلاعب بالشريعة وسلب أموال الناس.
وتمت المراجعة لهم من قبل القاضي محمد راغب وعامل صنعاء حسين عبدالقادر والقاضي عبدالكريم مطهر وتم إطلاق سراحهم.
مفكرو اليمن
استعرض العزي السنيدار في المذكرات أسماء جملة من المفكرين اليمنيين والعلماء والضباط والمشائخ الذين اعتبرهم من رجالات القرن الرابع عشر الهجري، وكذلك أدوارهم في المطالبة بالإصلاح وانتقاد الوضع القائم وتوعية الشارع اليمني من خلال الجلسات الثقافية والأدبية وتوزيع المنشورات وإحداث تغيير في نفوس الشباب، وينتمون هؤلاء المفكرون إلى مختلف المناطق اليمنية من صنعاء وتعز وإب وإريان والحديدة وعمران ومن مختلف الأسر والقبائل اليمنية، متطرقاً إلى المعاناة التي لاقوها في سبيل تحقيق أهدافهم.
المشاركة في ثورة 1948م
شارك العزي السنيدار ضمن المفكرين والعلماء والتجار والطلاب من كافة فئات الشعب في التحضير لثورة الدستور في العام 1948م وتأييدها، وكان نقطة وصل بين الأحرار في الداخل والخارج عن طريق استقبال البريد وإعداد الردود بشفرات معينة بحكم عمله في التجارة، كما بذل الكثير من الأموال مع غيره في سبيل ذلك، مستعرضاً الأسباب التي أدت إلى فشل هذه الثورة ووأدها خلال مدة قصيرة، كما سرد الأدوار البطولية للكثير من الأحرار والضباط والمناضلين الذين أداروا تلك المرحلة في صنعاء.
وقدم وصفاً للحالة التي كانت عليها صنعاء خلال إحكام الحصار عليها من قبل القبائل التي أيدت الإمام أحمد واستباحها لهم، وحالة الذعر التي انتشرت بين أهلها حتى سقوطها، وقد استطاع العزي السنيدار الهروب من صنعاء بعد سقوط الثورة ولكن شاءت الأقدار أن يقبض عليه في مدينة معبر.
في سجون حجة
يصف العزي صالح السنيدار حالة الأحرار الذين تم اعتقالهم عقب سقوط صنعاء، وكيف تم معاملتهم من قبل القبائل وعكفة الإمام وتأليب سكان صنعاء عليهم حتى كانوا يخرجوهم إلى الميادين ليتم شتمهم ورجمهم وضربهم من قبل الأهالي، وكانت هذه الأفعال يشيب لها الرأس، بعد ذلك تم تجميعهم في سيارات وأخذهم إلى سجون حجة، فكانت الرحلة إلى حجة قطعة من الجحيم والعذاب الأليم، كانوا يضعونهم فوق بعضهم البعض وهم مكبلون بالأغلال والقيود، ويتم منعهم من قضاء الحاجة ومن الصلاة إلا بعد توسل وترجي، فالرحلة كانت طويلة والطريق شاقة وغير معبدة.
لقد قضى العزي السنيدار كما يقول في مذكراته سبع سنوات في سجن حجة، لاقى ما لاقاه هو ورجالات اليمنيين ومفكريها، وكيف كانوا يقضون أوقاتهم والأغلال على أيديهم وأرجلهم، وحالات السجون في بؤس شديد كل ينتظر دوره بالخروج إلى ساحة الإعدام، وشاءت الأقدار أن ينجو ويتم إطلاق سراحه مع عدد من رفقائه بعد انقلاب 1955م حينما كان البدر يتواجد في حجة لاستمالة القبائل.
بعد خروجه من السجن اتجه إلى صنعاء وظل فترة، ثم انتقل إلى تعز إلا أن العيون ظلت مسلطة عليه فاضطر للمغادرة إلى عدن في العام 1376هـ واستقر فيها يعمل في مهنة الخياطة التي تعلمها وأجادها.
الاستقرار في عدن حتى قيام الثورة
استقر العزي السنيدار في عدن حيث التقى بالكثير من أهالي صنعاء ومن مفكري اليمن وتجارها، وهناك مارس مهنته في التجارة وفي الخياطة، ولم ينس وطنه الذي تركه خلفه، حيث استمر في النضال من خلال كتابة المقالات في الصحف التي كانت تصدر هناك.
ويستحضر العزي السنيدار في مذكراته جملة من عناوين المقالات التي كانت لها صداها داخل اليمن وخارجها، ونذكر منها مقال بعنوان “من استحرمه عنب أكله زبيب” وفيها مغزى لم يعرفه إلا الإمام أحمد وكانت له صدى في عدن وتعز وصنعاء.
كانت معرفة العزي السنيدار بمحمد المحلوي نقطة تحول لمعرفة الحقيقة التي كانت غائبة عن معظم أبناء الشعب اليمني، لقد فتح عينيه على الكثير من القضايا الفكرية والوطنية وذلك في الثلاثينيات من القرن الماضي، ومنذ ذلك التاريخ اختط العزي السنيدار طريقاً آخراً وهو الطريق إلى الحرية.
ومقال آخر بعنوان “الحرية باليمن” وهي مقالة كبيرة خلاصتها أن الحرية في اليمن لا تساويها حرية في العالم، فاليمني يفقر بحريته لا يعارضه أحد، يمرض بحريته لا يداويه أحد يمشي عارياً لا تعارضه الدولة ولا تواسيه، بل بحريته يترك أهلها وأمواله من الظلم بحريته، يتلاعب الحكام بالشريعة بحريتهم وهكذا إلى آخره، وقد استقر العزي السنيدار في عدن حتى قيام ثورة الـ26 من سبتمبر الخالدة في العام 1962م.
ختاما
إن مذكرات السنيدار لم تكن حديثا عابرا ولم يكتبها لأنه وجد وقت فراغ، بل إنها رسالة عظيمة تحمل هدفا عظيما، وهو إيصال معاناة الثوار والمناضلين الأحرار إلى الأحفاد والأجيال المتلاحقة ليستفيدوا منهم، وليسيروا على نهجهم ويكملون ما بدأوه.
ولهذا عرضت المذكرات معاناة السنيدار مع أربعة من رفاقه هم: أحمد المطاع، محمد المطاع، عبدالله العزب، وعلي عبد الوهاب الشماحي”، وكيف اتهموا بتهم عديدة، منها بغضهم لأمير المؤمنين وأهل البيت، واختصارهم للقرآن، وأنهم درادعة (فرقة يهودية)، وموالين للنصارى، ويحبذون احتلال البلاد من الانجليز.
وبعد مراجعات طويلة ومضنية من قِبل شخصيات سياسية واجتماعية استمرت لأشهر، تم الإفراج عنهم تباعاً، إلاَّ محمد المُحلوِي الذي أقسم الإمام يميناً مغلظة أنه لن يطلقه إلاَّ إذا خرج من صنعاء، فرفض المُحلوِي ووصل إليه أحدهم يراجعه بأن يخرج حتى إلى ‘الروضة’، ليبر بقسم الإمام، فرفض، وبعد ذلك أطلقه الإمام {بعد أن اشتد عليه المرض في السجن، وخاف أن يموت فيه}، لكنه مات في منزله بعد خروجه.
مات الثائر السنيدار فقيراً، لكنه بعد أن غرس في طين الوعي فسيل استنارة، ستصير مع الأيام شجرة يستظل بها كل صاحب فكرة.
رحم الله السيندار ورفاقه الأحرار ووفقنا لاكمال ما بدؤوه والسير على دربهم.



