
إقرأ أيضا:
- ملخص كتاب.. التركيبة الاجتماعية والنظام الإقطاعي في اليمن قبل ثورة 26 سبتمبر بعيون الروسية ”إيلينا جولوبوفسكايا“ (2)
- ملخص كتاب.. الأوضاع الاقتصادية في اليمن قبل ثورة 26 سبتمبر بعيون الباحثة الروسية إيلينا جولوبوفسكايا (1)
يمن ديلي نيوز – استعراض خاص: في الباب الثالث من كتابها “ثورة 26 سبتمبر في اليمن”، تناولت الكاتبة والباحثة الروسية “إيلينا جولوبوفسكايا” الوضع السياسي اليمني قبل اندلاع ثورة 26 سبتمبر عام 1962م.
وكانت قد بحثت في البابين الأول والثاني الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي دفعت المجتمع اليمني، بمختلف فئاته، للثورة ضد نظام الإمامة المستبد وإسقاطه وإقامة نظام جمهوري عادل.
نواة الثورة
بداية الثلاثينات، ظهرت أول جماعة تدعو للإصلاحات التقدمية في اليمن أسسها الحاج “محمد المحلوي” والشيخ “حسن الدعيس”.
وتجمع حولهما كل الرافضين لسياسة الإمام. ووقفوا جميعاً ضد “امتيازات الأسرة الحاكمة وطغمة السادة”، فيما بدأ الإمام بتعقب هؤلاء الأحرار واعتقالهم والتنكيل بهم. وأول من تعرض للاعتقال والتعذيب في صنعاء وذمار؛ أحمد المطاع وجغمان.
الملاحظ من خلال قراءة صفحات الكتاب هو اهتمام الأحرار المبكر بالجانب الاعلامي والتوعوي، حيث أسسوا في العام 1938 مجلة الحكمة، وبعد إيقافها وانتقال الأحرار إلى عدن أصدر الأحرار صحيفة “صوت اليمن” ومن القاهرة، عملوا على إذاعة برنامج منتظم من صوت العرب.
تحول نوعي
شهد النصف الثاني من الثلاثينات، تحوّلاً في مسيرة الأحرار من الناحية التنظيمية، فبدلا من احتجاجات أشخاص ساخطين على سياسة الإمام إلى الجمعيات الأدبية.
ولدور الكلمة في التحرر، أنشأ الشباب الأحرار في العام 1936 جمعيات أدبية بصنعاء وتعز، وبدأوا “بانتقاد السلطة غير المحدودة للإمام، ونظام جباية الضرائب والتمييز”، وبعدها أصدر المثقفون الأحرار مجلة “الحكمة”، صدرت شهريًا لثلاث سنوات (١٩٣٨- ١٩٤١م)، وازداد المتعاونون معها عام ۱۹۳۹م.
وحينما أغلقها الإمام، بادر الزبيري والخالدي لإنشاء جمعية “الأمر المعروف والنهي عن المنكر”، إلا أن الإمام أحلها بعد سنة وأرسل مؤسسيها إلى السجن.
ناقشت الحكمة، للمرّة الأولى، مسائل سياسية هامة، منها تاريخ نشوء الدولة ذات النظام الدستوري، ومواد متعلقة بإصدار دستور في اليمن.
وترى الباحثة الروسية، أن “انعكاس هذه القضايا في مطبوعات حينها خطوة سياسية هامة في تطور حركة المعارضة في البلاد”.
ونهاية الثلاثينات تجاوزت مطالب الأحرار “تقليص سلطات الإمام وإصدار دستور” إلى المطالبة بالحريات الديمقراطية، الحرية “للشعب”.
عدن ساحة الأحرار
في الأربعينات تراجع نشاط الأحرار بسبب تزايد القمع، الذي اضطرهم للنزوح إلى تعز ومنها إلى عدن، وأصبحت عدن المركز الرئيس للأحرار.
تقول الباحثة الروسية: كانت عدن بالنسبة للأحرار اليمنيين جزءاً من “داخل اليمن”، إذ نظر إليها كأرض من أصل اليمن القديمة، وشعر فيها “كل يمني كأنه في صنعاء أو تعز أو إب”.
ووصل إلى عدن طلائع الأحرار برئاسة مطيع دماج، وتلاهم النعمان والزبيري. ومهد وصولهما للإعلان عن انعدام “أي أمل بأن يقوم الإمام يحيى وإبنه أحمد بتحقيق الإصلاحات”.
وعام ١٩٤٤م، صاغ الأحرار برنامجًا موحدًا ضم المطالبة بإصلاحات اقتصادية واجتماعية في البلاد، وإنهاء التفرقة الدينية، وإلغاء النظام القسري لتسليم الضرائب (الخطاط، التنافيذ، البقايا).
وشهدت التواهي في ١٩٤٤م، أول مؤتمر للأحرار وتأسست فيه “الجمعية اليمنية الكبرى”. وإنشاء أول هيئة تحرير لجريدة “صوت اليمن” التي صدرت لسنتين ونشرت آراء وبرامج الأحرار بانتظام.
في إبريل ١٩٦٠م اشتعلت اضطرابات قبائل بكيل وخولان، ورفض مشايخ هذه القبائل دعوة الإمام أحمد، للمباحثات في السخنة، وذكّروه بجريمته الغادرة بحق الشيخ الأحمر، فيما اعتبرت قبيلة حاشد سياسة الإمام شذوذًا عن المبادئ التقليدية لحكم أئمة الزيدية.
محاولات احتواء
بعد اطلاع الإمام يحيى، على مطالب الأحرار المنشورة عبر “صوت اليمن” اقترح على النعمان والزبيري العودة إلى صنعاء لإجراء مباحثات بشأنها إلا أنهما رفضا ذلك بسبب “السجن المؤبد”، بعدها احتج إلى السلطات الإنكليزية في عدن، وطالبها بمنع نشاط “الأحرار”.
وبداية ١٩٤٥م، أرسل ممثلاً عنه (حسين الحلالي)، للتفاوض مع الأحرار بشأن عودتهم، وتبعه بسرعة محمد الشامي، مستشار الإمام، إلا أنه لم يحالفهما النجاح.
وفي أبريل ١٩٤٦ وصل الأمير أحمد، إلى عدن محاولاً إقناع الأحرار بالعودة، متعهداً بإجراء إصلاح في البلاد. وانتهت بالفشل بعد 6 أسابيع من المحادثات مع الزبيري والنعمان.
ضربة قاصمة
في نوفمبر ١٩٤٦م وصل إلى عدن الابن التاسع للإمام يحيى، الأمير إبراهيم، معلناً انضمامه للأحرار، وأصبح رئيساً للحركة.
وعزز موقفه مكانة الجمعية الأحرار بين اليمنيين “وساعد بشكل كبير على تقويض سياسة الإمام” وفقاً للباحثة.
وبعدها صيغ “الميثاق الوطني المقدس” كمشروع دستور لليمن، وضم أهداف الأحرار ومطالبهم بتغيير نظام الإمامة “سلميًا” وإقامة حكم “على أساس العدالة والحرية والمساواة ونهوض البلاد”.
ثورة الدستور
في ١٩٤٧م “فقد الأحرار في عدن الأمل بالإصلاح”، فأقاموا صلات مع بيت الوزير الطامح للسلطة. وتعهد لهم عبدالله الوزير، بالالتزام ببرنامج الأحرار الإصلاحي بعد ارتقائه العرش، وأيّد الأمير إبراهيم، جماعة الوزير في نضالهم ضد السلطة “واتفقوا مسبقاً على تركيب الحكومة الائتلافية القادمة”.
وفي ١٧ فبراير ١٩٤٨م نجح مجموعة من الأحرار بقيادة الشيخ علي ناصر القردعي، باغتيال الإمام يحيى، بمنطقة حزيز. في حين فشل الفريق الآخر المكلف باغتيال الأمير أحمد في تعز بذات الطريقة.
وتمكّن الأمير أحمد، من الاستيلاء على الخزينة، ومغادرة تعز إلى حجّة عن طريق تهامة. وفي طريقه نحو صنعاء ادعى الإمامة لنفسه.
وفي صنعاء، توّج الوزير إماماً جديداً. وأعلن قيام مملكة دستورية برلمانية، وإلغاء نظام الجبايات. وعُقد أول اجتماع للبرلمان برئاسة الأمير إبراهيم، الذي عين رئيساً للوزراء.
وفي ١٤ مارس اجتاح الإمام أحمد، صنعاء برفقة أخويه الحسن والعباس، ومعه حشود القبائل الذين أباح لهم نهب المدينة. وهكذا خُلعت حكومة الوزير بعد ٢١ يوماً.
وانتهت الأحداث باعتقال عشرات الأحرار. وفي ١٦ مارس، اُعتقل الوزير، وسيق مع أنصاره إلى سجن حجة. وبداية أبريل أُعدم ۳۱ رجلاً من قادة الحكومة الدستورية، وحكم على البقيّة بالسجن.
إيجابيات وسلبيات
من أسباب فشل ثورة 48م، وفق الباحثة، الخلافات بين آل الوزير والأحرار. فمنذ الأيام الأولى “بدأ الوزير بتنحية الأحرار من المناصب، وأخذ يسلمها لأنصاره المقربين”.
لكنها ترى أن السبب الأساس “تخلف البلاد، وانعدام الطرقات الجيدة” التي تمكّن الأحرار من الحركة السريعة.
إضافة إلى غياب الإمكانات اللازمة بيد الحكومة، وعجزها عن تحقيق وعودها كرفع مرتبات الموظفين والعسكريين. في الوقت الذي اشترى الأمير أحمد شيوخ قبائل واستمالهم إلى جانبه.
رغم هذا، تقول الباحثة إن إنشاء أول حكومة دستورية في اليمن، لعب “دورًا ضخمًا” في تطور الحياة السياسية اللاحقة. واصفة الحدث بأنه “انطلاقة كبرى لمختلف طبقات وفئات الشعب اليمني الاجتماعية”. و”يختلف جوهريًا عن كل الأحداث والانتفاضات السابقة ضد السلطة”.
وأضافت أنه أول فعل ثوري “حدد هدفه بخلع النظام الإقطاعي المستبد، وأول محاولة جادة في اليمن لتنظيم ثورة بالمفهوم العصري”.
مضيفة أن أكبر خدمة قدمها الأحرار بهذا الفعل أنهم هزّوا “المعتقدات الشعبية بقداسة الأسرة ورسوخ سلطة الإمام، وأيقظوا لدى الشعب الشعور باستطاعته أن يقرر مصيره ويختار حكامه”.
رغم ماتعرضت له ثورة 48 من انتكاسة إلا أن الباحثة تقول إن إنشاء أول حكومة دستورية في اليمن، لعب “دورًا ضخمًا” في تطور الحياة السياسية اللاحقة، واصفة الحدث بأنه “انطلاقة كبرى لمختلف طبقات وفئات الشعب اليمني الاجتماعية”، و”يختلف جوهريًا عن كل الأحداث والانتفاضات السابقة ضد السلطة”.
عودة الرجعية
استمر الإمام أحمد، بالفتك بالمعارضين “بقسوة”. وملأ السجون حتى بالذين لا علاقة لهم بالثورة، وأصبح “ينفق من خزينة الدولة بحرية أكثر مما فعل والده الإمام يحيى”.
وتصف الباحثة هذا المشهد قائلة: “انغمست الرجعية بأعمال القتل والزج بكثير من المعارضين في السجون، ولم يعد بمقدور الذين حالفهم الحظ في البقاء أن يعيدوا نشاطهم مجدداً لقلّتهم”.
العمل الثوري مجدداً
كان لثورة ١٩٥٣م في مصر “صدى واسع في اليمن”. فقد بدأ الأحرار في عدن بالنشاط مجدداً مطالبين بالدستور وحرية التجارة وإنهاء احتكار العائلة وإيجاد نظام سليم لجباية الضرائب وغيرها.
فيما وصل الزبيري إلى القاهرة، وفتح مكتباً للاتحاد اليمني، وأصدر مجموعة من الكراريس والمقالات، وأقام صلات مع كثير من الأحرار في السودان وإنكلترا وبلدان أخرى.
ومع ظهور شعور المعارضة في اليمن تحت تأثير هذه التطورات “فزع الإمام أحمد فقام بمنع بيع أجهزة الراديو، ومنع سماع الإذاعات في الأماكن العامة”.
ومن أجل إضعاف هذا النشاط “قام بتنازلات” للأحرار. وكان هذا، وفق الباحثة الروسية، “تعبيراً عن أحد أساليب الإمام لإضعاف نشاط الأحرار، وكسب الوقت بخلافاته التي بدأت مع إخوته”.
حركة الثلايا
تأزّم الوضع في اليمن عام 53م، فمن جهة أصبح اليمنيون في المدن يمدحون الأحرار وأفكارهم ويجاهرون “بنقد شديد لسلطة الإمام المستبدة التي أعاقت التقدم الاقتصادي والثقافي في البلاد”، ومن جهة أخرى أخذت الطموحات الفردية لوراثة العرش طابعاً أكثر حدّة.
وهنا أيد بعض الأحرار ترشيح البدر لولاية العهد آملين أن ينفذ مطالبهم الأساسية، فيما رأى العسكريون برئاسة المقدم أحمد الثلايا، أن موقف البدر سيكون شبيهاً بمواقف أبيه، وتلك الفترة، بلغ المقدم الثلايا، عن اعتزام الإمام أحمد، التخلّص منه و”الضباط الميؤوس منهم”، مستغلاً حادثة اشتباكات جرت بين الجنود وأهالي الحوبان بتعز.
هذا الأمر دفع الثلايا لتوجيه جنوده بمحاصرة الإمام أحمد في قصره بمدينة تعز ابتداءً من ۲۸ مارس 1955م، وطالبه بالتنازل عن العرش لأخيه عبدالله، وهو ما تم بالفعل، كما طالبوه بمغادرة البلاد إلى مصر إلا أنه رفض، وسانده الإمام الجديد (عبدالله) إذ رفض تعزيز الحراسة عليه أو نفيه وهو ما مكّن الإمام المخلوع، من خداع حراسة القصر والفرار.
وبعد إعادة سيطرته على الأمور، أصدر حكماً بإعدام الثلايا وأنصاره في ٦ أبريل، وأرسل أخويه عبدالله والعباس إلى سجن حجة، وأعدمهما هناك.
وبعيداً عن الفشل، تقول الباحثة، إن حركة الثلايا “حدثاً هاماً في حياة البلاد السياسية”. باعتبارها أول “انتفاضة قام بها الجيش ضد نظام الإمامة المستبد”.
حراك شامل
ضاعف الأحرار في القاهرة نشاطهم التوعوي، ومنها إصدار جريدة صوت اليمن، وإذاعة برنامج منتظم من صوت العرب، ونشر الكراريس، واشتركوا في المؤتمرات العربية.
بداية ۱۹٥٩م سافر الإمام أحمد للعلاج في إيطاليا، ونقل السلطة لابنه البدر، الذي سبق وأعلنه ولياً للعهد في مايو 1955م.
وتحت سلطة البدر، ازداد استياء الجيش لقلة الرواتب وتردّي أوضاعهم. ونشبت تمردات عسكرية في صنعاء وتعز. كما حدثت تمردات فلاحية كبيرة بسب قلة المحصول وزيادة ابتزاز الأموال.
وفي أغسطس 59م، عاد الإمام من إيطاليا وأقصى ابنه البدر، وعاقب المشتركين بأحداث صنعاء وتعز وملأ سجن حجة بالرجال. كما رفع الضرائب رغم الجدب، وأمر بجمع زكاة مضاعفة لحاجته للنقود بعد عودته من روما.
ضاعفت هذه الإجراءات معاناة الناس، لتعم الاضطرابات البلاد مجدداً. وقمعها الإمام بقسوة كالعادة، وملأ السجون بالمعتقلين، وأعدم كثير منهم.
وفي إبريل ١٩٦٠م اشتعلت اضطرابات قبائل بكيل وخولان، ورفض مشايخ هذه القبائل دعوة الإمام أحمد، للمباحثات في السخنة، وذكّروه بجريمته الغادرة بحق الشيخ الأحمر، فيما اعتبرت قبيلة حاشد سياسة الإمام شذوذًا عن المبادئ التقليدية لحكم أئمة الزيدية.
وتوسّع الاستياء ضد أسرة حميدالدين ليشمل “السادة جميعاً الذين اعتبرتهم القبائل دخلاء وغرباء عليها”.
وظهرت في صنعاء وتعز والحديدة وذمار وغيرها كراريس الأحرار المتضمّنة انتقادا شديدا لسياسة الإمام، وتوتر الوضع بشدة عام ١٩٦١م، ووقفت كل طبقات وفئات الشعب ضد الأسرة الحاكمة.
وفي ٢٦ مارس ١٩٦١م نفذ ثلاثة ضباط في الحديدة وهم: العلفي واللقية والهندوان، محاولة لاغتيال الإمام أحمد، وألحقوا به إصابة مباشرة، اضطرّته للاعتماد على مساعدة البدر.
تقول الباحثة الروسية إن عدن كانت بالنسبة للأحرار اليمنيين جزءاً من “داخل اليمن”، إذ نظر إليها كأرض من أصل اليمن القديمة، وشعر فيها “كل يمني كأنه في صنعاء أو تعز أو إب”، مشيرة إلى أن عدن احتضنت في العام 1944 أول مؤتمر للأحرار وتأسست في التواهي “الجمعية اليمنية الكبرى”.
الضباط الأحرار
وفي خضم الحراك الثوري، وجدت تنظيمات سرية مناهضة لنظام الإمامة، وكان تنظيم “الضباط الأحرار” أكثرها قوة ونشاطاً. وقد تأسس رسمياً في ديسمبر 1961م في صنعاء وتعز والحديدة.
وأعد تنظيم الضباط خطة عملية لإسقاط حكم أسرة حميدالدين، وإقامة نظام جمهوري في البلاد.
وأقام التنظيم علاقة منتظمة مع منتسبي المدرسة العسكرية بصنعاء. وأنشأ صلات مع العناصر الوطنية في البلاد قبل شهرين من قيام ثورة 26 سبتمبر.
الملاحظ من خلال قراءة صفحات الكتاب هو اهتمام الأحرار المبكر بالجانب الاعلامي والتوعوي، حيث أسسوا في العام 1938 مجلة الحكمة، وبعد إيقافها وانتقال الأحرار إلى عدن أصدر الأحرار صحيفة “صوت اليمن” ومن القاهرة، عملوا على إذاعة برنامج منتظم من صوت العرب.