
يمن ديلي نيوز – استعراض خاص: في كتابها “ثورة 26 سبتمبر في اليمن” درست المؤرّخة والباحثة الروسية “إيلينا جولوبوفسكايا” الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية اليمنية وتفاعلاتها قبل ثورة 26 سبتمبر 1962م.
وتتبّعت تاريخ الأحزاب السياسية الأولى وتقييم دورها، وانتشار الأفكار الثورية وأثرها في بلورة القوى المعارضة للإمامة، وكذا الإعداد لثورة 1962م، وبحثت الاجراءات السياسية للحكومة الجمهورية داخليًا وخارجيًا في الأشهر الأولى لقيام الثورة.
يعد كتاب “ثورة 26 سبتمبر في اليمن” للمؤرّخة والباحثة الروسية “إيلينا جولوبوفسكايا من الأبحاث القليلة التي تناولت بالتفصيل الدقيق والكثيف أوضاع المجتمع اليمني وتطوره وتفاعلاته قبل ثورة 26 سبتمبر، وصدرت طبعته الأولى عام 1971م، عن دار ابن خلدون.
اعتمدت المؤلفة، وفق ما ذكرته في التمهيد، على “مصادر وأدبيات وصحف دورية باللغات العربية والروسية والانجليزية والفرنسية”، وعلى “الملاحظات الشخصية” ومعلومات حصلت عليها من “الأحاديث” مع يمنيين، وكذا مواد جمعتها أثناء تواجدها في اليمن أعوام 1961- 1962م. إضافة إلى استعانتها بالطلبة اليمنيين الدارسين في الاتحاد السوفيتي لتوضيح بعض الأمور.
اقتصاد إقطاعي
خصصت الباحثة الروسية إيلينا جولوبوفسكايا، وهي مهتمّة بشأن اليمن، الباب الأول لتناول “التركيب الاقتصادي لليمن قبل ثورة 26 سبتمبر”، والذي اتسم بأسلوب “الانتاج الاقطاعي”.
واعتبرت سياسة عزل البلاد عن العالم الخارجي التي انتهجها الإمام “من أسباب عدم تطور العلاقات الرأسمالية”. مؤكدة أن سياسة العزل التي اتخذت “في البداية طابعاً سياسياً موجهاً نحو منع انتشار الأفكار التقدمية، مورست في الجانب الاقتصادي أيضاً”.
يعد كتاب “ثورة 26 سبتمبر في اليمن” للمؤرّخة والباحثة الروسية “إيلينا جولوبوفسكايا من الأبحاث القليلة التي تناولت بالتفصيل الدقيق والكثيف أوضاع المجتمع اليمني وتطوره وتفاعلاته قبل ثورة 26 سبتمبر، وصدرت طبعته الأولى عام 1971م، عن دار ابن خلدون.
زراعة بدائية
قبل ثورة 26 سبتمبر، عاش نحو 90% من سكان اليمن في الريف، ويعملون في الزراعة والرعي والصيد.
وعن أسلوب الزراعة، تقول الباحثة إنه ظل “كما في العصور القديمة؛ أي بأدوات الإنتاج البدائية كالمحراث والمنجل والعصا الطويلة.. إلخ، وباستعمال السماد العضوي.
وكانت المنتجات الزراعية الأساسية هي الحبوب والفواكه، وكلها تستعمل لسد الطلب المحلي، وتعد الذرة الغذاء الأساسي للسكان؛ وتحتل 90% من نسبة الحبوب المزروعة، وأما المحاصيل الثانوية فهي (البن والقات والقطن).
ويأتي البن أولاً من حيث التصدير. وقبل الحرب العالمية الثانية، انخفض بشكل كبير جداً ليس لكلفة إنتاجه فقط، بل وعوامل أخرى منها “شروط التأجير والديون الثقيلة على الفلاحين سنوياً”.
فقد كان الفلاح يسلم 3/2 أرباع المحصول للمالك. فيما يشتري ما تبقى لديه وكلاء المصدرين المشتركين مع العائلة الحاكمة المحتكرين للبن، وهم الذين يقدرون ثمن البن الخاص بالفلاحين.
مدن القرون الوسطى
رغم التطور العمراني والتجاري والصناعي الذي كان يشهده العالم حينها، إلا أن المدن اليمنية في عهد الإمامة ظلّت “محتفظة بمظاهر العهود الإقطاعية المثقلة بالبؤس والتخلف”.
وتبيّن الدراسة انخفاض سكّان المدن قبل الثورة بشكل كبير جداً مقارنة بالأرياف، إذ بلغ عددهم ٥٤۰- ۸۱۰ ألف نسمة بنسبة 10- 15٪ من إجمالي سكان البلاد. وقد مارسوا الحرف وإنتاج بعض الغلات الزراعية، واعتمد الصناع الصغار على عملهم اليدوي بالأساس.
وحول هذه المهنة، قالت المؤرخة الروسية: “لقد ورثت الحرف المدنية اقتصاد مدن القرون الوسطى”.
وعن الأسواق التجارية، قالت إنها “تذكّر بالعهود الاقطاعية، إذ يحمل الفلاح إلى المدينة المحصول الذي أنتجه في مزرعته ويبادله بحاجته من المواد الحرفية الضرورية له”.
وإجمالاً، كانت التجارة الداخلية حتى بعد الحرب العالمية “ضعيفة النمو للغاية”. وكان “نادرًا ما يبيع الفلاح محصوله بالنقود والتي كانت ضرورية للفلاح لدفع الديون للإقطاعي والمرابي”.
ملكيّة خاصة
وعن المؤسسات التي وجدت قبل الثورة، تقول إيلينا جولوبوفسكايا، إن أغلبها كانت “ملكاً للإمام”، وأنشئت بمساعدة الأخصائيين الأجانب والمعدات الأجنبية.
وذكت منها معمل صنع الذخيرة والغزل والنسيج بصنعاء، الذي بناه الإيطاليون في العشرينات، بمعدات إنكليزية، “غير أنه لم يعمل في آخر العهد الملكي”.
رغم التطور العمراني والتجاري والصناعي الذي كان يشهده العالم حينها، إلا أن المدن اليمنية في عهد الإمامة ظلّت “محتفظة بمظاهر العهود الإقطاعية المثقلة بالبؤس والتخلف، وتسلم بيت حميد الدين قيادة البلاد حال دون قيام صناعة وطنية.
وكذا معمل الغزل والنسيج في باجل، الذي جهزته فرنسا عام ١٩٥٧م، ولم يتشغل يومًا واحدًا “لأن أعضاء الأسرة المالكة وكبار تجار التصدير احتكروا التجارة الخارجية، وفجأة عرفوا أن تجارة تصدير القطن تعطيهم نصيباً وافراً من الأرباح، أفضل من إنتاج قطع الأقمشة القطنية”.
وبشأن الكهرباء، نقلت الباحثة، ما دوّنه عضو البعثة العسكرية العراقية محمد حسن، الذي زار اليمن عام ١٩٣٩م قائلاً: إن اليمنيين لا يشغلون الكهرباء بالمرة، وكان في صنعاء محول كهربائي في قصر الإمام يحيى فقط (دار الشكر ودار السعادة ولدى بعض الأمراء)”.
وفيما يتعلق بالصناعات الاستخراجية، فإنه رغم امتلاك اليمن احتياطياً من الثروة المعدنية إلا أنها “لم تحصل على تطوير مستمر، شأنها في ذلك شأن الصناعة التحويلية”، وفق الباحثة.
النظام النقدي السري
كان الريال هو العملة النقدية في المملكة المتوكلية. وقد وُضع بأوروبا ونقش في صنعاء بقصر الإمام الذي “وضعت فيه الخزينة”.
وحول العملية النقدية والرقابة، قالت الباحثة الروسية: “لم تقم حكومة الإمام بمراقبة العملية النقدية بسبب غياب البنك”. مضيفة أنه “كان لا يوجد فرق بين خزينة الدولة وخزينة الإمام”. وبصرف النظر عن وجود منصب المالية، “فالذي يتصرف بالخزينة هو الإمام وحدة فقط، وبدون رقيب”.
ولم توجد ميزانية دولة في عهد الإمام. ووفقاً للباحثة فقد “اعتبر الدخل السنوي العام والمصروفات من الأسرار الحكومية”.
مسلسل الجبايات
وأما النظام الضرائبي، فوصفته الباحثة بأنه “معقد” وقائم على مقادير ارتجالية تؤخذ “عيناً أو نقداً”. ورصدت نحو 20 نوعاً من الجبايات التي فرضها الإمام بأسماء زكوات وجمارك وضرائب.
فإلى جانب الزكوات التي يتم تقديريها عن طريق عمال الامام، فرض الإمام ضرائب إضافية على رأس الغنم 2.5 بقشة، وعلى البقرة ١٠ بقش، وعلى كل جمل- إذا لم يستخدم في المواصلات- ريال واحد، وإذا استخدم يكون ٢,٥ ريال.
ووفقاً للباحثة، فقد ارتفع مقدار الضرائب التقليدية منذ زمن الإمام يحيى، إذ كان يضاف إلى الضرائب المفروضة على الفلاحين 10%، و5% من ناتج المحاصيل الزراعية. وأيضاً 3% تؤخذ لصالح مسميات أخرى منها “نفقات الضيوف” (حق الضيافة).
تنقل الباحثة الروسية في كتابها “ثورة 26 سبتمبر في اليمن” صورة تعكس تشابه الوضع القائم حاليا في صنعاء، حيث فرض الامام أكثر من 20 نوعا من الجبايات غير الزكوات، وصلت إلى حد فرض مبلغ ريال “مارتريزا” على الجمل القاعد و 2.5 ريال على الجمل العامل.
وإلى ذلك، فرض الامام على الفلاح دفع (خوة) لعمال الإمام الكثر الذين يقومون بجمع الضرائب.
وأما الرسوم الجمركية، فمنها ضرائب المصدر إلى الخارج بواقع 10% من قيمة الصادرات كالحبوب والدهن وغيرها. كما يؤخذ 25% من قيمتها عند بيعها من قبل متوسطي وصغار التجار.
وإذا ورّد التاجر البضاعة عبر الحديدة يدفع 3% من هذا المبلغ حسب الرسوم وجمع الضرائب مرة أخرى. وإضافة إلى هذا يدفع التجّار ضرائب إضافية تذهب لنفقات الجمارك.
وفرض الامام على البضائع المستوردة ضرائب إضافية باسم “الخدمة الاجتماعية” وبمبلغ: 4 بقش من كل ريال، منها بقشة باسم الضيوف.
وتضاف إلى رسوم الدخول (5 بقش على كل رزمة). وضرائب صحة 2.5 بقشة من كل بالة. وحماية جمركية 5 بقش على الرزمة.
وفرضت ضرائب على سيارات المواصلات “الأخماس” ويدفع مالك السيارة 18 ريالاً على السيارة، مع إضافة 4 بقش على كل ريال. وأما مالك السيارة المريحة فيدفع 9 ريالات، إضافة إلى 4 بقش على كل ريال يستلمه من الركاب.
وفرضت أيضاً ضرائب (عودة) يحصل بموجبها الإمام على 10% من قيمة أية بضاعة تباع، كما فرضت رسوم جمركية داخلية على البضائع التي تنقل من محافظة إلى أخرى.
وإضافة إلى ذلك، دخلت الخزينة عام 1950م جزية على اليهود. وشملت الضرائب تحويلات لمهاجرين اليمنيين النقدية لعائلاتهم بواقع١٠% من كل مبلغ محول، وبلغت هذه التحويلات عام ١٩٥٩م ثلاثة ملايين دولار.
ويؤكد تحليل التركيب الاقتصادي أن “سياسة الإمام اتجهت للمحافظة على الأنماط التقليدية من أجل الحفاظ على جمود حياة البلاد”، وفقاً للباحثة.



