أهم الاخبارالأخبار

الحلقة التاسعة عشرة:المستشرقون واليمن.. الألماني “سيتزن”: اكتشف اليمن ولم تُكتشف وفاته الغامضة في تعز

أعد الحلقة لـ”يمن ديلي نيوز” محمد العياشي: وُلد المستشرق الألماني أولريخ سيتزن، في 30 يناير/كانون الثاني 1767 في جيفير بمقاطعة فريزلاند.

يُعد سيتزن أحد أوائل المستشرقين والأسماء البارزة في تاريخ الاستشراق. رغم أنه درس الطب في جامعة غوتنغن، إلا أن اهتمامه انصرف بعيدًا عن مهنة الطب، ليتفرغ لدراسة الآثار واللغات الشرقية.

سيتزن لا يُعتبر مجرد مستكشف عادي، بل كان حجر الزاوية في اكتشاف العديد من الأسرار التاريخية التي كانت مخبأة في قلب شبه الجزيرة العربية، وخصوصًا في اليمن.

من دمشق إلى مكة

في عام 1805، بدأ سيتزن رحلته الاستكشافية الأولى إلى الشرق الأوسط، حيث قرر التوجه إلى سوريا.

مكث في دمشق عدة سنوات، وهو ما ساعده في التفاعل مع علماء المنطقة والمفكرين، ما أثر بشكل كبير على رؤيته وتوجهاته الثقافية.

خلال هذه الفترة، أتم سيتزن تأليف كتابه عن رحلته إلى المنطقة، وهو الكتاب الذي نُشر باللغة الألمانية.

في عام 1810، اتخذ سيتزن خطوة جريئة أخرى عندما أعلن إسلامه وتوجه لأداء فريضة الحج.
وقد فعل ذلك تحت إسم “الحاج موسى” متنكرًا في زي درويش، وهو ما يعكس مدى انغماسه في ثقافة المنطقة ورغبته في فهم أعمق لعادات وتقاليد العالم الإسلامي.

سيتزن إلى اليمن

في 8 أبريل/نيسان 1810، وصل سيتزن إلى ميناء الحديدة في اليمن، ليبدأ واحدة من أبرز رحلاته الاستكشافية.

لم تكن هذه الزيارة مجرد رحلة سياحية، بل كانت مليئة بالاكتشافات التي ألقت الضوء على التاريخ القديم للحضارة اليمنية.

قام سيتزن بتوثيق العديد من النقوش الحجرية في مناطق عدة، منها ظفار، حيث اكتشف النقوش التي أشار إليها المستشرق الدنماركي كريستين نيبور.

وتُعتبر هذه النقوش من أقدم النقوش العربية الجنوبية، ما يجعلها مصدراً بالغ الأهمية لدراسة اللغة والنقوش القديمة في الجزيرة العربية.

كما جمع خلال رحلته العديد من المخطوطات والنقوش الأثرية لصالح متحف “غوتا” بولاية تورينغن في ألمانيا.

أهمية اكتشافات سيتزن

كانت اكتشافات سيتزن في اليمن نقطة تحول في فهم تاريخ الكتابة في جنوب الجزيرة العربية فقد مكنت هذه الاكتشافات العلماء من دراسة تطور اللغة العربية الجنوبية وتحليل مدى تأثيرها على اللغة العربية الفصحى.

كان سيتزن قد نسخ خمسة نقوش في منطقة ذمار، وأخرى في قرية مجاورة، ما أضاف زخماً علمياً للدراسات التاريخية القديمة.

بفضل تقاريره، قدم سيتزن معلومات قيّمة حول الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في اليمن في أوائل القرن التاسع عشر.

وكانت هذه المعلومات مرجعًا للباحثين اللاحقين، وقد ساعدت بشكل كبير في فهم طبيعة المنطقة وعراقتها الحضارية.

اختفاء سيتزن في اليمن

على الرغم من إنجازاته لم تدم رحلة سيتزن في اليمن طويلاً. ففي ديسمبر 1811، اختفى سيتزن في ظروف غامضة أثناء تواجده في اليمن، ويُقال إنه اختفى في جبال تعز أو صنعاء.

في سبتمبر من العام نفسه، عُثر على جثة سيتزن بالقرب من مدينة تعز، واعتُقد أنه تم تسميمه بأوامر من الإمام.

ربما كان قد دفع ثمن كشفه عن هويته الحقيقية كمستشرق أوروبي في منطقة كانت تُعرف بأنها حساسة من الناحية السياسية والدينية.

إرث علمي لا يُمحى

رغم وفاة سيتزن المبكرة، إلا أن إسهاماته في مجال الدراسات الاستشراقية أثبتت جدواها على مرّ الأعوام.

فقد جمع البروفيسور فريدريك كروزة أعمال سيتزن في أربعة مجلدات، نُشرت في برلين عام 1854.
كانت هذه المجلدات بمثابة مرجع لا غنى عنه للمستشرقين والباحثين المهتمين بدراسة تاريخ المنطقة العربية.

وقد شكّلت أعمال سيتزن حجر الزاوية في دراسة التراث اليمني، إذ وفرت معلومات قيمة حول الحياة اليومية في المدن اليمنية، بالإضافة إلى تقديم تفاصيل دقيقة عن الطبيعة الجغرافية والثقافية للمنطقة.

تأثير سيتزن على الاستشراق

لم يكن سيتزن مجرد مكتشف للنقوش القديمة في اليمن، بل كان أيضًا من الرواد الذين ساهموا في تغيير مجرى الدراسات الاستشراقية.

ونتيجة لأعماله أصبح اليمن محط أنظار المستشرقين في أوروبا، وأصبحت النقوش المكتشفة من قبل سيتزن محور دراسات مستفيضة، ساهمت في فهم أفضل للثقافة واللغة في جنوب الجزيرة العربية.

ما بعد سيتزن

بعد وفاة سيتزن، تواصلت البعثات الاستكشافية الأوروبية في اليمن. أبرز هذه البعثات كانت بقيادة الضابط البريطاني جيمس ولستد في عام 1834، حيث اكتشف نقشًا يعود إلى عام 525 ميلادي، وكذلك حصن الغراب في جنوب البلاد.

تظل رحلة سيتزن إلى اليمن واحدة من الفصول المهمة في تاريخ الاستشراق الغربي.
لقد أسهمت اكتشافاته في فتح أفق جديد لفهم تاريخ اليمن وحضارته، ورغم النهاية المأساوية التي لقيها، فإن إرثه ما زال محفوظا إلى اليوم.

أكسبت أعمال سيتزن الباحثين والمهتمين بمجال التاريخ والثقافة اليمنية مصدرًا ثمينًا للمعلومات، وهو ما يثبت تأثيره الكبير على الدراسات الاستشراقية التي لم تتوقف بعده.

المراجع:
– مجلة الفكر الثقافية
– العربي الجديد
– اليوم السابع
– البيان الإماراتية

 

👇 سلسلة حلقات “المستشرقون واليمن”:

الحلقة الأولى: الألماني “نيبور” ورحلته إلى البلاد التي تحكمها التوازنات

الحلقة الثانية: “هاليفي” في رحلة استكشاف تاريخ اليمن تحت عباءة التسول

الحلقة الثالثة: رحلة البريطاني “برتون” إلى أرض النقوش والعادات الفريدة

الحلقة الرابعة: “ثيسيجر” الذي وجد أن السعادة الحقيقية في قلب الصحراء

الحلقة الخامسة: فيلبي “الحاج عبدالله” الذي ساهم في رسم ملامح الجزيرة العربية واليمن

الحلقة السادسة: “جلازير” النمساوي الذي ارتدى ثوب “التشيع” لنهب آثار اليمن

الحلقة السابعة: “مانزوني” في رحلة تكشف تطور صنعاء قبل عودة الإمامة إليها

الحلقة الثامنة: “فريا ستارك” في مهمة الاستكشاف والتجسس لصالح بريطانيا

الحلقة التاسعة: “جورج كولان” رحلة دبلوماسية واكتشاف اللهجات اليمنية

الحلقة العاشرة: الألماني “هولفريتز” في رحلة إلى اليمن من الباب الخلفي

الحلقة الحادية عشرة: الفرنسي “نيزان” والوجه المظلم للاحتلال البريطاني في عدن

الحلقة الثانية عشرة: “فيليبس” على رأس بعثة أمريكية إلى جوهرة الصحراء “مأرب

الحلقة الثالثة عشرة: رحلة ماكنتوش لتعلم “العربية” في البلد الأقرب للفصحى

الحلقة الرابعة عشرة: الألماني “بورخارت” الذي قاده شغفه باليمن إلى مقتله

الحلقة الخامسة عشرة: الألماني “هيرش” أول غربي يزور شبام حضرموت

الحلقة السادسة عشرة: “روبرت سرجنت” في مهمة دراسة الثقافة اليمنية

الحلقة السابعة عشرة: جورج وايمان بري “جاسوس” بريطاني بعباءة مستكشف

الحلقة الثامنة عشر: رحلة الفرنسي “جان جاك بيربي” في البلاد المعزولة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من يمن ديلي نيوز Yemen Daily News

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading