اللواء محمد ناصر العنسي.. أسطورة كفاح وثائر تمسك بشرف الثورة منذ يومها الأول حتى وفاته

قال عنه المشير عبدالله السلال عن اللواء محمد ناصر العنسي: “لو كان لدي أربعة قادة في المحاور الأربعة مثل محمد ناصر لما ضاعت الثورة والجمهورية”.
قصة صحفية كتبها لـ “يمن ديلي نيوز” محمد الواشعي: مميزون دوما حتى تواريخ وفاتهم مميزة، ففي 3/3/2023م يوم الجمعة، غيب الموت المناضل اللواء محمد ناصر الحاج العنسي في محافظة الضالع، عن عمر ناهز 86 عاما.
معظم جيل ثورة 26 سبتمبر لم يمر عليهم هذا الاسم، ولا يعلمون عنه وعن بطولاته وتضحياته، ولم تعرف حياته إلا عندما أعلن وفاته، ليغادرها بصمت، كما هي نضالاته لايعرف عنها أحد.
ينتمي الفقيد لأسرة بيت الحاج، وهو من مواليد إبريل 1937 م بمديرية ميفعة عنس محافظة ذمار.
درس في مدرسة ألماظة العسكرية في القاهرة، وتخرج منها في العام 1959م، وعاد بعدها إلى اليمن للتخطيط لثورة 26 سبتمبر ليصبح أحد أبطالها.
عاش العنسي فترات شهدت اليمن فيها تقلبات وحروب كثيرة منذ الإطاحة بنظام أسرة آل حميد الدين عام 1962 م وقد أثبت خلالها شجاعة وثباتا على مبادئه.
تقلد اللواء الحاج العنسي قيادة المنطقة الوسطى ( ذمار – رداع – يريم ) عام 1963 م وقاتل في مختلف الجبهات المحيطة بالمنطقة، محققا خلالها العديد من الانتصارات، وأوكلت له مهمة ملاحقة فلول الإمامة.
واستقر الفقيد في مدينة الضالع التي سكنها منذ اتفاق المصالحة بين الإمامة والجمهورية في عام 1970م.
تعرض العنسي لعدة محاولات اغتيال، أبرزها القصة التي ذكرها #عمر_الجاوي في كتابه “حصار صنعاء”، وحدثت أيام حصار السبعين، حيث دبرت مجموعة من الاماميين لمحاولة اغتياله، أثناء إعداده الحملة العسكرية لفك الحصار عن صنعاء.
في هذه المادة يحاول “يمن ديلي نيوز” توثيق جانبا من تاريخ المناضل العنسي، عبر مايرويه رفاقه والعارفين لشخصية الفقيد، الذين عاصروه أو كانوا على مقربة منه، والبداية مع المهندس جمال جباري أحد أبناء عنس وملحق في سفارة اليمن بالقاهرة.
يقول جباري متحدثا عن سبب اتخاذ اللواء العنسي للضالع سكنا له بالقول: بعد المصالحة عملت أذرع الإمامة على الانتقام من اللواء العنسي، ونجحت في إقالته من منصب قيادة المنطقة الوسطى، واستصدرت حكما ضده بالاعدام، مما اضطره للهروب إلى الجنوب، واستقر في منزله بمدينة الضالع إلى أن وافته المنية في 3 مارس 2023.
ويضيف جباري: القائد محمد ناصر الحاج أحد قادة ثورة ٢٦ سبتمبر المباركة، وتم تكليفه بمهمة القضاء وملاحقة خلايا الإمامة في المناطق الوسطى عقب الثورة مباشرة، وكان صارما في تنفيذ التكاليف الملقاة على عاتقه، الأمر الذي أسهم في إرساء أعمدة ثورة 26 سبتمبر وتثبيت أركانها.
كان الفقيد لايهادن تجاه فلول الإمامة وتعامل بصرامة وحزم، منطلقا في ذلك من قناعة راسخة أن هذه الفلول دوما مصدر معاناة اليمنيين لقرون، لكونها تحمل في مكنونها بذرة العنصرية الخبيثة التي ترى في سلالتها الأهلية دون سواهم لحكم اليمنيين.
تعرض العنسي لعدة محاولات اغتيال، أبرزها القصة التي ذكرها #عمر_الجاوي في كتابه “حصار صنعاء”، وحدثت أيام حصار السبعين، حيث دبرت مجموعة من الاماميين لمحاولة اغتياله، أثناء إعداده الحملة العسكرية لفك الحصار عن صنعاء.
لقائه بالرئيس صالح
ويروي المهندس جمال جباري أن الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، دعا المناضل العنسي، وعرض عليه منصبا حكوميا، إلا أنه رفض ذلك العرض، لإدراكه حينها بتسلل فلول الإمامة مجددا إلى مناصب الدولة، بعد عقود النضال حتى تحققت الجمهورية.
يضيف جباري أن العنسي حينها، حذر الرئيس صالح من تسلل فلول الإمامة مجددا إلى أروقة الدولة، وأن هؤلاء سيقتلونه في أقرب فرصة يتمكنون فيها من قتله، وهو ماوقع بالفعل.
ويتحدث الدكتور باسل جمال أحد أبناء مديرية عن عن محطات من نضال الثائر العنسي، مؤكدا أن اللواء محمد ناصر الحاج العنسي كان واحدا من ثوار سبتمبر المجيد وأحد القادة العسكريين الذين يُشار لهم بالبنان في مؤسسة الجيش مُنذ بداية تأسيسها، وكان أحد أبطال معركة السبعين الخالدة.
ويضيف: الفقيد العنسي كان أحد صقور سبتمبر الأنقياء ومن أكثرهم وضوحاً في مواجهة الإمامة العنصرية، وأذاق الإمامة المُر حتى كانت فلول الإمامة تردد “يادين محمد ديناه من دين محمد ناصر”.
يروي المهندس جمال جباري أن الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، دعا المناضل العنسي، وعرض عليه منصبا حكوميا، “إلا أنه رفض ذلك، لإدراكه حينها بتسلل فلول الإمامة مجددا إلى مناصب الدولة، بعد عقود النضال حتى تحققت الجمهورية”.
وتابع في حديث مع “يمن ديلي نيوز”: كان الفقيد العنسي أحد القيادات التي أصرت على أن مشكلة اليمنيين ليست مع أسرة بيت حميد الدين، وإنما مع أدعياء الحق الإلهي، وكان هذا مبدأ المشير السلال و اللواء جزيلان وهادي عيسى وكل القيادات السبتمبرية الحقيقية.
ونظرا لموقفه المتقدم في تشخيصه للمشكلة الحقيقية، كان ذلك سبباً في تهميش اللواء الحاج وكل رفاقه من الصقور- وفق الدكتور باسل – خصوصا بعد أحداث 1968.. مردفا: هاهو اليوم الفقيد العنسي يرحل عنا وهو على موقفه الثابت تجاه أدعياء الحق الإلهي، ثابتا لم يتزحزح أو يتبدل مُنذ أول يوم في ثورة سبتمبر المجيدة وحتى وفاته.
بحسب زملاء الفقيد الذين تحدثوا خلال فعالية عزاء أقيمت في مأرب، فإن اللواء محمد ناصر الحاج أحد أبطال فك حصار السبعين يوماً الذي فرضته قوى الثورة المضادة من فلول النظام الامامي البائد على العاصمة صنعاء في 5 نوفمبر 1967م، وكان العنسي حينها قائدا للواء ذمار والمناطق الوسطى.
قام اللواء العنسي بتشكيل مجاميع المقاومة الشعبية وتدريبها ودعمها وتجهيز مقاتليها من أبناء ذمار والبيضاء وإب والمناطق الوسطى والقادمين من أبناء الشطر الجنوبي من الوطن، ثم قاد حملة عسكرية كبيرة لفك الحصار من الجهة الجنوبية لصنعاء، حتى تمكن من فتح طريق “نقيل يسلح”، وكانت بداية فك الحصار عن صنعاء في فبراير 1968م.

محاولات اغتيال العنسي
تعرض العنسي لعدة محاولات اغتيال، كانت أبرزها القصة التي ذكرها عمر الجاوي في كتابه “حصار صنعاء”، وحدثت أيام حصار السبعين يوماً، حيث دبرت مجموعة من الاماميين عملية لمحاولة اغتياله، وخططت لاستهدافه أثناء إعداد الحملة العسكرية كان يقودها لفك الحصار عن صنعاء.
وبحسب الجاوي فقد تم دعوة اللواء العنسي لحضور اجتماع في مقر القيادة في مدينة معبر، وعندما اكتشف المؤامرة أمر حينها الدبابات بتوجيه قذائفها إلى الطابق الأوسط للمبنى، رغم تواجده في الطابق الذي يعلوهم.
حوصرت مجموعة من الاماميين الذين دبروا لعملية اغتياله في الطابق الأوسط، ولم يصدق قائد كتيبة الدبابات ماسمعه من أوامر لمعرفته بأن القائد العنسي وزملاؤه في الطابق الذي يعلوا تلك المجموعة، ولكنه لم يجد أمامه إلا تنفيذ الأمر، ما أدى إلى سقوط المبنى، وقتل كل من في المجموعة، كما أصيب جميع من في المبنى بما فيهم القائد العنسي.
استمر القائد العنسي يؤدي مهمته في ملاحقة فلول الإمامة، والتنكيل بهم، بتأييد كامل، وضوء أخضر من المشير السلال، ومن كل القيادات السبتمبرية، أمثال اللواء جزيلان، وهادي عيسى، وغيرهم من القيادات والذين كانوا يصرون على تحميل أدعياء الحق الإلهي مسؤولية معاناة اليمنيين، وعدم حصر طغيان وظلم الإمامة في أسرة “حميد الدين” فقط.
خلال الملاحقات التي استهدفت عددا من المشاركين في ثورة 26 سبتمبر عقب الثورة، تعرض اللواء العنسي للاعتقال في مدينة معبر، وتم إرساله إلى مدينة الحديدة ومنها إلى صنعاء، ومن ثم إلى الحديدة، وهناك دبر الثوار طريقة لإنهاء اعتقاله.
الامامة وخلخلة الصف
في أعقاب فك حصار السبعين، عملت أذرع الإمامة على محاولة خلخلة الصف الجمهوري، وسعى عدد منهم للتأثير على الرئيس عبدالرحمن الإرياني، بهدف إبعاد اللواء العنسي من قيادة المنطقة الوسطى، والنيل من قادة الثورة، من خلال ما كان يعرف ب “الجمهوريين المعتدلين” الذي يستخدمه أدعياء الحق الإلهي اليوم بحسب المهندس جمال جباري.
شهدت المرحلة ملاحقة بعض من قيادات ثورة 26 سبتمبر العسكريين الذين دافعوا عن الثورة وعاصمتها (صنعاء) والنظام الجمهوري بمساندة ودعم من المقاومة الشعبية والشعب، وكان المناضل محمد ناصر الحاج العنسي أحد الضباط المستهدفين بالتغيير والاعتقال، وترحيل البعض منهم الى الجزائر والزج بالعشرات في المعتقلات والسجون.
خلال تلك الملاحقات التي استهدفت عددا من المشاركين في ثورة 26 سبتمبر، تعرض المناضل اللواء/محمد ناصر الحاج للاعتقال في مدينة معبر، وتم إرساله إلى مدينة الحديدة ومنها إلى صنعاء وكان قائد لواء الحديدة يومها المناضل السبتمبري عبد الكريم السكري.
طوال العقود الماضية لم يحظ اللواء العنسي بالرعاية والاهتمام، حاله كحال غيره من ثوار سبتمبر ، وظل يحمل رتبة عقيد حتى السنوات القليلة الماضية، حيث عملت وزارة الدفاع في الحكومة الشرعية على ترقيته إلى رتبة لواء.
عندما وصل اللواء العنسي معتقلا أرادوا إيداعه أحد مراكز الحجز التابعة للأمن، لكنه وفق رفاقه اشتاط غضباً وأمر ان ينزل بأحد الفنادق قائلا: أمثال القائد محمد ناصر العنسي ليس مكانهم السجون والمعتقلات.
وفعلاً نزل في أحد الفنادق مع ستة جنود لحراسته وصادف تواجد اللواء أحمد علي السلامي واللواء محمد احمد حنيبر في مهمة وهما من ضباط الامن وأعضاء (بحركة القوميين العرب).
وصلهم خبر اعتقال المناضل محمد ناصر العنسي وأنه ينزل في أحد الفنادق، وسيتم ترحيله إلى صنعاء، ذهبوا لزيارته إلى الفندق وهم بالزي الرسمي، وأثناء الزيارة اتفقوا مع جنود الحراسة أن يذهبوا الى السينما مع العنسي ونسقوا مع ثلاثة من جنود الحراسة، عندما يبدأ عرض الفلم يقومون مع العنسي على أساس انهم يريدون دورة المياه واحمد السلامي ومحمد حنيبر سوف يكونون بسيارة أجرة في باب السينما لياخذوا العنسي.
تمت العملية بنجاح وأخذوا بندقية أحد الجنود وتحركوا وهم بالزي الرسمي لضباط الداخلية وعبروا من كل النقاط من الحديدة حتى نقطة مدخل مدينة تعز.
وقفتهم النقطة الموجودة في مدخل تعز وطلبت منهم الاتصال بقائد لواء تعز اللواء/ محمد عبدالله الارياني وهو من القيادات الوطنية ويعرف محمد العنسي واحمد السلامي ومحمد حنيبر، وأمر النقطة بالسماح بمرور الثلاثة الضباط والسيارة التي تقلهم واوصلوا المناضل/ محمد ناصر العنسي إلى منطقة كرش، وعادوا الى الحديدة وهم يعرفون انه سيتم اعتقالهم، لكن وفاء للجنود الذين تعاونوا معهم ونفذوا أوامرهم.
وطوال العقود الماضية لم يحظ القائد العنسي بالرعاية والاهتمام، حاله كحال غيره من ثوار سبتمبر ، وظل يحمل رتبة عقيد حتى السنوات القليلة الماضية، حيث عملت وزارة الدفاع في الحكومة الشرعية على ترقيته إلى رتبة لواء، مع أنه كان يرفض أي منصب أو عمل يعرض عليه بسبب تمكين من يصفهم بالاماميين في مفاصل الدولة، كما لم يكن يوما مهتما برتبة عسكرية أو بغيرها بقدر اهتمامه بانتصار الثورة وتصحيح مسارها.
وفي ختام هذه القصة نكتفي بالعبارة التي قالها عنه المشير عبدالله السلال : ” لو كان لدي أربعة قادة في المحاور الأربعة مثل محمد ناصر لما ضاعت الثورة والجمهورية”.